لم يصل العرب إلى أسوأ فترة في تاريخهم الحديث كما وصلوا إليها الآن؛ إذ لا أحد يعترف بهم أو يأخذهم في الحسبان ضمن مجريات الأحداث المحلية والدولية. فالوطن العربي فارغ من شعوبه وحكوماته، كما قيل عن فلسطين من قبل بنية الاستيطان الصهيوني فيها أوائل القرن الماضي، أي مقايضة شعب بلا أرض بأرض بلا شعب كما جاء في "وعد بلفور". والآن تتم مقايضة ثانية، وطن بلا أمة، وهو الوطن العربي، بأمة خارج الأوطان، إسرائيل الكبرى، أو الإمبراطورية الجديدة، الولايات المتحدة الأميركية، واللتين تعم إرادتهما فوق كل الأوطان.
وقد بدت مظاهر غياب العرب في هذه الأيام بصورة فاضحة عندما طلبت الولايات المتحدة الأميركية الدخول في مفاوضات مع عدوها اللدود إيران بشأن مستقبل العراق! والعراق منّا جغرافياً وثقافياً واجتماعياً، كما يُقال في أدبياتنا السياسية والتي ثبتت لنا من عصر الخطابة "البوابة الشرقية" للوطن العربي. وبانهياره ينهار المشرق العربي كله في سوريا ولبنان والأردن وفي الخليج. وتبقى مصر عارية في جناحها الشرقي بلا دفاع، خاصة وأنها أصبحت خالية من صلاح الدين والظاهر بيبرس ومحمد علي وعبدالناصر. وعلى هذا الأساس تم تدعيم العراق بالسلاح في حربه ضد إيران خوفا من المد الشيعي في الوطن العربي السني، ومن امتداد الثورة الإسلامية من إيران إلى باقي الأقطار العربية.
لم تطلب الولايات المتحدة الأميركية من الأنظمة العربية الصديقة التعاون معها بشأن انسحاب مشرف لقواتها من العراق، وقواتها موجودة في العديد من البلدان العربية، وقيادة أسطولها وقواعدها على أراض عربية أيضا... لم تطلب ذلك منها رغم بعض الخلافات الناشئة بينهما حول التحول الديمقراطي وإيقاع الإصلاح. فلم تطلب ذلك من الأردن الصديق صاحب الحدود المشتركة مع العراق، وكثير من المهاجرين العراقيين فيه. بل ولم تطلب ذلك من مصر، بما لها من إرث تاريخي في العمل العربي، وهي مقر الجامعة العربية والدولة التي قامت بتسليح العراق ومساعدته على تحرير الأغوار وجزيرة الفاو عندما بدأت الدائرة تدور على صدام حسين، وتقدمت القوات الإيرانية نحو البصرة.
طلبت الولايات المتحدة مساعدة إيران لحل ورطتها في العراق بدعوى ضمان مستقبل العراق. وإيران هي العدو الذي أصبح يقلق أميركا، خاصة بعد فوز الرئيس الحالي أحمدي نجاد في الانتخابات الأخيرة، وإعلانه المشهور حول "محو إسرائيل من الخريطة"، وإن كان الرئيس الماليزي السابق مهاتير محمد قد قال كلاما شبيها بذلك في صيغة أخرى. لكن إيران تصر على الاستمرار في تخصيب اليورانيوم، وعلى مواصلة بحوثها النووية، فيما تصر أميركا على أن ذلك النشاط يمثل تهديدا لأمنها القومي وأمن إسرائيل التي تمتلك ما يزيد على مائتي رأس نووي. إيران تعتز بقوتها العسكرية وبطول مدى صواريخ "شهاب". وهي دولة مؤثرة في محيطها الإقليمي الغربي؛ عن طريق شيعة الخليج، وفي محيطها الشمالي عبر باكستان وأفغانستان وآسيا الوسطى، وامتدادها الشرقي إلى الهند وماليزيا وإندونيسيا. وكانت مصر في العصر الملكي تعرف قدرها وتصاهرها. وكان عبدالناصر يؤيد ثورتها منذ مصدق. ويمد مجاهدي خلق بالسلاح لإسقاط نظام الشاه المتحالف مع إسرائيل. إلا أن العلاقة ساءت بين العرب وإيران بعد سقوط الشاه، وذلك على خلفية دعوى تصدير الثورة.
وبسبب غياب العرب أيضا تم انقضاض إسرائيل على سجن أريحا لخطف رئيس "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" أحمد سعدات ورفاقه، بعد أن تم اغتيال رئيسها السابق بالرغم من وجود اتفاق دولي أميركي بريطاني إسرائيلي فلسطيني على وجود مراقبين دوليين للاطمئنان على وجود الرفاق في السجن بعد محاكمتهم أمام القضاء الفلسطيني. وتم التواطؤ. وانسحب المراقبون قبل الاجتياح الإسرائيلي إحراجاً للسلطة الوطنية الفلسطينية. فهي لا تحكم، وغير قادرة على الدفاع. وإسرائيل التي لم تحتل أريحا كما احتلت باقي مدن فلسطين في الضفة الغربية، قادرة على احتلالها واختطاف من تشاء. وهو أيضا إحراج لـ"حماس" ولحكومتها الجديدة. فماذا ستفعل أمام هذا التحدي؟ إن صمتت كما ظلت تفعل السلطة الوطنية في السابق، فستسقط في أعين ناخبيها ومجموع الشعب الفلسطيني. وإن ردت بالقوة تم اغتيال رئيس الوزراء الجديد. وهو إحراج لمصر، الشقيقة الكبرى التي دخلت أربع حروب دفاعاً عن أمنها القومي في فلسطين. وهو إحراج للأمة العربية كلها التي أصبح وطنها مستباحاً في الأرض والجو. وهي نفس العقلية الأميركية عندما قامت أميركا بخطف الرئيس البانامي نورييجا من قصره، وهو حليفها السابق. وينتقل الرفاق من سجن الوطن إلى سجن العدو بلا ملابس ساترة إمعانا في الإذلال. وهو عدم اعتراف بالقضاء الفلسطيني الذي أصدر حكمه وينفذه. فكل شيء مباح في أراضي العرب وفي لعبة الانتخابات الإسرائيلية، وكسب أصوات الناخبين بالمزايدة في سوء معاملة العرب، وإنكار وجودهم وجرح كرامتهم ومحو ذاكرتهم.
وتستمر الإهانات للعرب إلى درجة إنكار وجودهم كلية وإخراجهم من الحسبان في أية معادلة. فلا يوجد شريك فلسطيني