في الذكرى الثالثة لحرب العراق، لابد من وقفة تقييم. تلك الحرب التي كان من المفترض حسب قراءة "المحافظين الجدد" أن تؤدي إلى حزمة من الإنجازات والنتائج منها إسقاط نظام معاد لأميركا، ودعم الحرب الأميركية على الإرهاب. لأن بوش يصر أن العراق جبهة أساسية في تلك الحرب. وذلك كله سيؤدي إلى نشر وتعزيز الديمقراطية والحريات من طهران إلى دمشق وما حولهما، وبالتالي يجعل أميركا أكثر أمناً، ومصالحها أكثر حصانة.
ولكن الواقع لا يتطابق مع تلك الأماني. صحيح أن نظام صدام حسين قد سقط وانتهى بعد ثلاثة عقود ونصف من القمع والبطش والغزو والمغامرات والحسابات المكلفة للعراق وللعرب وللأمن والاستقرار. إلا أن إفرازات الحرب المستمرة بلا خط نهاية والتي باتت حرب استنزاف للأرواح عراقيا بين 35 و100 ألف قتيل. وأميركيا 2000 بين قتيل وجريح. وماليا تجاوزت التكلفة 300 مليار دولار.
لقد ارتكبت واشنطن العديد من الأخطاء قبل وأثناء وبعد "حرب حرية العراق"، من البداية كما يقول الخبير الاستراتيجي أنطوني كوردسمان الذي يؤكد أن الحرب لم تحقق أهدافها. لأن الأهداف كانت خطأ من الأساس. أميركا بنت الحرب على وقائع خاطئة، حول احتواء العراق لأسلحة دمار شامل، والعلاقة مع "القاعدة". ثم نشر الديمقراطية والحريات. وجميع هذه الفرضيات ثبت خطؤها. تعاملت أميركا مع تهديد غير موجود. لا بل عزز الغزو قوى التطرف في المنطقة، وحول العراق لأرض خصبة للمقاومة ومنازلة أميركا وحول "القاعدة" إلى أخطبوط متمدد حيث باتت تشكل تهديداً أكبر من العراق وفي العراق نفسه.
ومع أن الرئيس بوش يصر على البقاء حتى النصر ولكنه يعترف بسلسلة من الأخطاء في الاستخبارات وحل المؤسسات العسكرية والأمنية واستعداء الشعب العراقي سنة وشيعة مع سقوط أخلاقي في تجاوزات سجن أبو غريب ومسلسل من تجاوزات متعمدة يتم التحقيق في بعضه. كما تم تقليل من خطر المقاومة أو التمرد كما يسميها الأمير كيون، بقول نائب الرئيس تشيني بأن حركة التمرد تلفظ أنفاسها الأخيرة قبل عشرة أشهر. فيما لا تزال توقع قتلى في صفوف الأميركيين يوميا.
كما أن الديمقراطية لم تنتشر حتى في العراق نفسه وسط فرز وتقسيم على خطوط عرقية وطائفية ومذهبية واقتتال ينذر بجر العراق لويلات التشظي والحرب الأهلية، فمن يريد النموذج العراقي في بلده؟
تؤكد استطلاعات الرأي التي نظمتها مؤسسات أميركية في بعض الدول العربية مثل الإمارات العربية المتحدة، مصر،السعودية، لبنان، الأردن والمغرب فشل الحرب في تحقيق أي من أهدافها المعلنة.
إذ ترى أغلبية الآراء أن الحرب أدت إلى زيادة الإرهاب وساهمت في تراجع أكبر للديمقراطية وترى نسبة تتجاوز الثلاثة أرباع أن أوضاع العراقيين باتت أسوأ، ونسبة تتجاوز 81% رأت أن الحرب أدت إلى تراجع فرص السلام في المنطقة.
وهذه حصيلة مؤلمة عراقياً وعربياً حتى أميركياً وسط تراجع شعبية الرئيس بوش إلى مستويات دنيا لرئيس في فترة ولايته الثانية وسط تذمر ومخاوف من داخل حزبه الجمهوري في سنة انتخابات في الخريف القادم من فقدان الأغلبية في الكونغرس.
كما أن صورة أميركا وسمعتها وبسبب تداعيات حرب العراق تزداد تراجعاً وترسخ نظرية المؤامرة من أسباب الحرب بسبب النفط وحماية إسرائيل والهيمنة على المنطقة وإضعاف العالم الإسلامي. إنها نتائج مؤلمة وخطيرة تكرس وتزيد الاحتقان مع أميركا والغرب والمؤلم في كل ذلك أن الحرب وتداعياتها الخطيرة لا تزال مستمرة.