مر الشهران الأخيران والعالم متردد حول أنجع الخطوات الكفيلة بإقناع السلطة الفلسطينية الجديدة التي تديرها "حماس" بالاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف، وحول حجم المساعدات التي يتعين تقديمها والاتصالات المفروض إقامتها معها إلى حين تطبيق الشروط الدولية. وقد التزم الدبلوماسيون الحذر في تصريحاتهم بانتظار تشكيل الحكومة الجديدة وما سيتلو ذلك من تطورات ميدانية. ومع أن "حماس" اختارت حكومتها الآن وتم تحديد الأسماء التي ستتولى الحقائب الوزارية، إلا أن الأمور مازالت على غموضها، ومن غير المتوقع أن تسهم الانتخابات الإسرائيلية التي أسفرت عن فوز أولمرت في انقشاع الغموض ووضوح الرؤية، حيث مازالت الخلافات تجري عميقا بين الأطراف الدولية حيال الطريقة المثلى للتعامل مع حكومة "حماس" المشكلة حديثا. فإذا ما طبقت القوانين الأميركية والأوروبية التي تحظر تقديم المساعدات أو الاتصال بالمنظمات الإرهابية بحذافيرها ستحول دون وصول أموال طائلة إلى الفلسطينيين. لكن هناك دائما طرقا مبتكرة للالتفاف حول تلك القيود كأن تعاد تسمية المساعدات المخصصة لجهود التنمية بـ"المعونات الإنسانية الضرورية"، أو أن يتم إرسالها عبر أطراف أخرى مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي، فضلا عن إمكانية تسليمها مباشرة للمتعاقدين ومزودي الخدمات.
وعند الحديث مع بعض المسؤولين من دول مختلفة يبرز إجمالا موقفان تجاه تقديم المساعدات للسلطة الفلسطينية. يقوم الموقف الأول الذي تتبناه إسرائيل والولايات المتحدة على وقف المساعدات المقدمة للسلطة بهدف خنقها ودفعها إما إلى تعديل مبادئها أو الموت. أما الموقف الثاني الذي يجد له رواجا في الأوساط الأوروبية فيرى ضرورة استمرار تدفق المعونات إلى السلطة الفلسطينية، وربما مع بعض الحوافز في حال صدور سلوك مشجع، أو عقوبات في حالة العكس. يدفعنا هذا النقاش الدائر حاليا بين الأطراف المختلفة للمجتمع الدولي إلى استحضار مثال آخر شهد بدوره جدالا امتد لعقود طويلة ومسَّ ذلك البلد الصغير والفقير كوبا. فمن جهة ظلت الولايات المتحدة مُصرة على ضرورة مقاطعة نظام فيدل كاسترو القمعي بغرض إسقاطه، في حين فضلت الدول الأوروبية وكندا من جهة أخرى تشجيع التغيير التدريجي عبر "الاشتباك البناء" مع النظام الكوبي. والنتيجة أن فيدل كاسترو المتصلب دائما يتمتع بعامه 48 في السلطة موظفا لمصلحته المقاطعة الأميركية كورقة سياسية، ومستغلا باقي العالم كرافعة اقتصادية.
فما أن تتحدث إلى المواطنين الكوبيين حتى يبرز أمامك أمران: السبب الأول الذي يدفع الكوبيين للوقوف بجانب كاسترو هو الاعتقاد السائد بأنه بطل قاوم التدخل والإرادة الأميركية، والسبب الذي يبعد شبح المجاعة عن كوبا هو مداخيل السياحة والاستثمارات التي تبقي الاقتصاد بمنأى عن الانهيار. والشيء ذاته يمكن أن يتكرر مع "حماس". فبالرغم من أن استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرا تظهر أن 75% من الفلسطينيين يحبذون دخول "حماس" في مفاوضات مع إسرائيل من أجل التوصل إلى اتفاق السلام، إلا أنه لن يتردد حتى أكثر الفلسطينيين اعتدالا في الاصطفاف وراء حكومتهم المنتخبة ديمقراطيا إذا رأوا أن الدول التي تعلن حبها للديمقراطية وتشجع على ممارستها تحاول جاهدة إسقاط حكومتهم وعرقلة استمرارها في السلطة.
فأي المقاربتين يا ترى أفضل وأنجع في التعامل مع "حماس" بالنظر إلى تجربة التعامل مع كوبا؟ يبدو أن خيار المقاطعة سيأخذ وقتا طويلا، فحتى لو تم وقف كافة الدعم المقدم للسلطة الفلسطينية، فإنه من غير المرجح أن تتراجع شعبية "حماس" بالسرعة المطلوبة، بل الأرجح أنها ستميل أكثر نحو التشدد الراديكالي محولة الأراضي الفلسطينية إلى ما يشبه العراق حاليا. ولأن "حماس" تستطيع مناشدة العالم الإسلامي لإغداق المعونات المالية وغيرها على الفلسطينيين فإن إغلاق كافة المنافذ على "حماس" يصبح من قبيل المستحيل.
وفي ظل هذا الواقع لا يوجد سوى طريق واحد لمعرفة ما إذا كانت "حماس" ستغير فعلا من مواقفها نزولا عند الرغبة الدولية. فعلى القوى الخارجية أن تضع خطة تجمع في ثناياها بين العصا والجزرة بحيث تقدم من خلالها تلك القوى لكل من إسرائيل و"حماس" حوافز للمضي قدما في الطريق الصحيح، لكن مع إبقاء ضمانات في حال فشل الطرفين في التقدم إلى الأمام.
جدعون ليتشفيلد
ــــــــــــــــــــــــ
مراسل مجلة "الإيكونوميست" في القدس
ــــــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"