عند أحد التقاطعات في الطريق الرئيسي المؤدي إلى مدينة تل أبيب، وقبل الانتخابات يوم أمس، لم يقابل السائقون سوى فرد واحد من الأفراد المشاركين في إحدى حملات الدعاية، في حين أنهم كانوا يرون عادة في السنوات الماضية وعند نفس التقاطع عدداً كبيراً من الملصقات، والمواد الدعائية، ومكبرات الصوت، واللافتات. قام هذا الفرد المشارك في الحملة والذي كان يرتدي طاقماً أحمر فاقعاً مرسوماً عليه شعارٌ، بتوزيع الكتيب الدعائي المعتاد في حالات الانتخابات، والملصق الدعائي المعتاد أيضاً والذي يتم لصقه عادة على دعامات السيارات الخلفية، ثم فاجأ السائقين بأن وزع على كل واحد منهم قطعة من الشوكولاته مكتوباً عليها "من أجل مستقبل أحلى". أما الورقة الدعائية فقد كان مكتوبا عليها "صوتوا من أجل البقرة" كان الرسم يصور رأس بقرة كارتونية توحي ملامح وجهها بالوداعة. لم يكن هذا الرجل يقوم بالدعاية لحزب سياسي كما قد يتوقع القارئ وإنما كان يقوم بالدعاية لمصنع حلوى كبير، يقوم بحيلة إعلانية بارعة لمنتجاته من الشيكولاته، مستغلاً اللحظة الانتخابية.
وبغض النظر عن نتائج الانتخابات، وفي هذه السنة الانتخابية الخاملة والباعثة على النعاس، يعتبر تقديم قطعة من الشوكولاته المصحوبة بابتسامة، واحداً من الأشياء الأكثر ديناميكية التي تحدث هنا في إسرائيل الآن. ففي إسرائيل هذا البلد الذي يتنفس سياسة نجد أن الإثارة مفتقدة حتى في يوم الانتخابات نفسه.
كما يغيب عن هذه الانتخابات أيضاً ذلك الحماس الذي كان يميز عادة الفترة السابقة الانتخابات: شيء مثل ذلك التفويض الهائل لتحقيق السلام الذي حصل عليه إسحاق رابين عام 1992. شيء مثل ذلك الشعور بالمفاجأة الذي أصاب الكثيرين عندما تمكن بنيامين نتانياهو من هزيمة "شمعون بيريز" الذي كان قد استلم زمام الأمور بعد وفاة رابين. وبعد ذلك بثلاث سنوات فقط تلك الهزيمة المباغتة والساحقة التي تعرض لها نتانياهو على يد إيهود باراك. شيء مثل ما حدث عام 2001 عندما احتدمت الانتفاضة وجاء الدور على باراك كي يغادر الحلبة بعد أن تم إقصاؤه بواسطة الرجل القوي آرييل شارون.
وبعد ذلك حدث ذلك التحول الشاروني المثير من الاعتماد على القوة العسكرية إلى المفاوضات، إلى القيام بتأسيس "حزب كاديما" في الخريف الماضي على وعد بإجراء الانتخابات التي ستقام اليوم على أساس أجندة تقوم على تحقيق السلام الدائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
لم تسر الأمور كما كان متوقعاً. إذ سقط شارون مصاباً بسكتة دماغية لم يخرج منها منذ الخامس من يناير الماضي. وأدى غياب شارون من على خشبة المسرح، إلى تغيير سيناريو البلاد السياسي بأكمله. والموضوعات المطروحة اليوم لا تقل جسامة بأي حال من الأحوال عن الموضوعات التي كانت مطروحة في الماضي. وسواء تعلق الأمر بالحرب أو بالسلام، أو بالحياة أو الموت فإن الناس يعرفون أن مستقبل دولة إسرائيل يكون في مثل هذه الأحوال معلقاً في الميزان ومتوقفا على الشخص الذي يتم اختياره في الانتخابات. ما ينقص هذه الانتخابات هو ذلك الإيمان الشعبي بأن أحد المرشحين يمسك بيده مفاتيح تقديم إجابة مناسبة على التساؤلات المطروحة حالياً على الساحة. فالرؤية والنزاهة الشخصية، وفن الحكم، والقدرة عليه كلها صفات لا يمكن سوى فيما ندر نسبتها إلى أي من المرشحين في انتخابات يوم أمس الذين ينتمي معظمهم إلى فصيل الساسة متوسطي المستوى.
هناك "إيهود أولمرت" الذي اختاره شارون بنفسه على رأس حزب "كاديما"، وهناك أيضاً "بنيامين نتانياهو" الطامح دائماً على رأس حزب "الليكود"، وهناك "عمير بيريتس" زعيم حزب "العمل" الجديد غير المجرب. بالإضافة إلى هذه القائمة تشمل قائمة المشاركين في الانتخابات عددا كبيرا من الساسة الآخرين الذين يقودون أحزابا أصغر حجماً كالأحزاب اليهودية الأرثوذكسية التي تتكون الغالبية العظمى من أنصارها من عرب إسرائيل، وكالحزب الذي يعمل من أجل مصالح المهاجرين الروس، والحزب الذي يدعو إلى الدولة العلمانية البحتة، والأحزاب الممثلة لأقصى "اليسار" وتلك الممثلة لأقصى "اليمين".
من بين هذا الخليط، يخرج منافس وينطلق بسرعة السهم كحصان أسود يظهر في اللحظة الأخيرة، متحولاً من حزب لا يمتلك أي مقاعد، إلى حزب يتوقع له أن يفوز على الأقل بمقعدين هو "حزب أصحاب المعاشات" الذي يمثل حقوق كبار السن من العمال الإسرائيليين. ولكن كبار السن في إسرائيل يجدون من يدافع عنهم من بين فئة لم يتوقعوها وهي فئة الشباب ما بين 18- 21 سنة الذين قاموا بنشر عدة مقالات تتناول حزب أصحاب المعاشات تحت عنوان "الشباب يصوتون من أجل الكبار". ويستعين هؤلاء الشباب بنصوص من العهد القديم عن احترام الآباء والأمهات ويقولون إن التصويت لكبار السن يضرب عصفورين بحجر واحد وهو أن مثل هذا التصويت سيكون تصويتاً احتجاجياً من ناحية. ومن الناحية الأخرى سيكون هذا التصويت وسيلة لتحقيق الصالح العام للمجتمع في الوقت نفسه.
لذلك فإنه وفي الوقت الذي يقوم فيه بعض الناخبين الإسرائيليي