خطوة مجلس الوزراء السعودي يوم الإثنين الماضي لتصحيح أوضاع سوق الأسهم في المملكة تؤكد أمرين: الأول هو الاعتراف بحجم المشكلة التي نشأت عن انهيار سوق الأسهم السعودية أكثر من ستة آلاف نقطة خلال أقل من شهر واحد. والأكثر من ذلك الاعتراف بالدور التنظيمي الرسمي لبعض أجهزة الدولة في نشوء هذه المشكلة، ومن ثم المبادرة إلى مواجهتها، ومحاولة الحد من تفاقمها، وتفاقم الآثار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عنها. الأمر الثاني، والأهم، أن قرارات المجلس تؤكد أن المشكلة التي يعاني منها سوق الأسهم تكمن بشكل أساسي في الهوة الواسعة بين العرض والطلب في هذه السوق. وأن هذه الهوة هي التي سمحت بالمضاربات، وبالصعود المجنون لأسعار الأسهم، الأمر الذي كان لابد أن يؤدي إلى انهيار السوق. ولأن هذا الخلل بين العرض والطلب حصل نتيجة لقرارات وإجراءات رسمية، كان لابد من أن يأتي إصلاح هذا الخلل بالآلية نفسها. من هنا جاءت قرارات مجلس الوزراء كلها موجهة نحو تقليص الهوة ما بين العرض والطلب في سوق الأسهم. أول قرارات المجلس جاء في الاتجاه نفسه، وكان بالموافقة على الترخيص بتأسيس شركة مساهمة سعودية كبيرة باسم "مصرف الإنماء"، وبرأسمال يصل إلى خمسة عشر (15) مليار ريال سعودي، وهو بذلك يكون أكبر شركة مساهمة في السعودية. والشاهد في قرار المجلس هذا أنه أولا يجعل ملكية هذا المصرف مشتركة بين الدولة والمواطنين، وثانيا أن القرار يؤكد على ألا تتجاوز مساهمة الحكومة في رأسمال هذا المصرف نسبة 30%، وأن يتم طرح 70% من رأس المال للاكتتاب العام.
وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها طرح هذه النسبة المرتفعة بشكل معقول من رأس مال شركة مساهمة للاكتتاب العام. هذا مع ملاحظة أنه لم توضع بعد آلية، أو على الأقل لم يعلن عن هذه الآلية، تضمن لصغار المساهمين نسبة معقولة من ملكية أسهم هذه الشركة أمام أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، وصناديق الاستثمار في البنوك، والتي قد لا تترك لهؤلاء المساهمين مجالا للاستفادة من هذه الفرصة.
القرار الثاني لمجلس الوزراء كان بتجزئة أسهم الشركات المساهمة، بحيث تصبح القيمة الإسمية للسهم عشرة ريالات سعودية، بدلا من خمسين ريالا. وحسب وزير التجارة السعودي، هاشم يماني، فإن قرار التجزئة هذا نافذ المفعول تلقائيا، ودون حاجة للرجوع للجمعيات العمومية للشركات المساهمة. مما يشير إلى أن تدخل الدولة في هذه الحالة جاء استجابة لمشكلة مُلحة، ولا تحتمل الإجراءات الطويلة المرتبطة باجتماعات الجمعيات العمومية للشركات. من ناحية ثانية، والأهم، أن قرار التجزئة يهدف، وكما أكد الوزير يماني، إلى إتاحة الفرصة لصغار المستثمرين للمشاركة في اجتماعات الجمعية العمومية والتصويت على قراراتها. وذلك، لأن التجزئة سترفع من عدد الأسهم التي يملكها هؤلاء المستثمرون إلى أربعة أضعاف. فمثلا، من يملك 100 سهم، سيملك بعد التجزئة 500 سهم. بعبارة أخرى، سوف يتضاعف حجم الأسهم المتداولة في السوق، أو حجم العرض، بالنسبة نفسها تقريبا. هذا مع ملاحظة أن القيمة الإجمالية للأسهم لن تتغير نتيجة لهذه التجزئة.
إذاً كلا القرارين يصب في اتجاه زيادة العرض في سوق الأسهم السعودية. هل يعني ذلك أن مشكلة الهوة بين العرض والطلب في سوق الأسهم السعودية قد تم حلها؟ في ظني أن الإجابة لابد أن تكون بالنفي. خطوة مجلس الوزراء هنا مهمة، وهي في الاتجاه الصحيح لمعالجة الخلل. فهي من ناحية تؤكد استعداد الدولة للمساهمة في حل هذه المشكلة، وهو ما اتضح من قرارها بإنشاء المصرف الجديد، وطرح 70% من رأسماله للاكتتاب العام. ونظرا للحجم الكبير لهذا المصرف، فإنه سيضيف نسبة كبيرة إلى حجم العرض في السوق. وخطوة المجلس من ناحية ثانية، هدفت إلى زيادة العرض عن طريق تجزئة الأسهم. ورغم كل ذلك، ستكشف الأيام على الأرجح أن هذه الخطوة ليست أكثر من حل مؤقت، وأنه حل لا يذهب إلى صلب المشكلة وأساسها، وهو سياسة الاكتتاب والتملك في الشركات المساهمة في السعودية.
وفقاً لهذه السياسة تخضع عملية الاكتتاب في الشركات السعودية المطروحة للمساهمة لثلاثة مبادئ، أو ضوابط: الأول أنه لا يمكن طرح أكثر من شركة واحدة للاكتتاب في وقت واحد. وهذا المبدأ، أو الضابط لم يتم التطرق إليه في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، أو ربما أنه لا يزال قيد النظر. لكن ربما أنه مبدأ مستبعد، وغير خاضع في الوقت الراهن لأية مراجعة، انطلاقا من القناعة بصحته. وخطورة هذا المبدأ، وآثاره السلبية على الاستثمار لا تتضح إلا من خلال وجوده، وفعاليته في حزمة الضوابط الأخرى. المبدأ الثاني الذي يحكم عملية الاكتتاب في السعودية هو أن النسبة المسموح بطرحها من قيمة رأسمال الشركة للاكتتاب العام تتراوح عادة ما بين 20% إلى 30%. مما يعني أن المساهمين المؤسسين (شركات أو أفرادا) يحتفظون بـ70% إلى 80% من رأسمال الشركة. أما المبدأ الثالث فيتمثل في أن الحد الأدنى لقيمة السهم الإسمية لا تقل عن خمسين ريالا سعوديا.
عندما تأخذ هذه الضوابط مع بعضها بعض