يرمز مصطلح التهاب المفاصل إلى طائفة واسعة من الأمراض، تشمل عدة أنواع وأشكال مختلفة. وكما تتنوع وتتعدد أشكال التهابات المفاصل، تتنوع وتتعدد أيضاً الأسباب المؤدية إليها. مثل اضطرابات جهاز المناعة، كما في أمراض المناعة الذاتية، أو من جراء الشيخوخة والتقدم في السن، كما في تهالك وتحلل غضاريف المفاصل، أو نتيجة الإصابات والالتواءات والتعرض للضغوط الفيزيائية، كما في حالات الاستخدام المتكرر للمفصل في وضع غير سليم، أو نتيجة العدوى بالجراثيم، كما في حالات التهابات المفاصل التقيحية. وتنتشر التهابات المفاصل إلى حد كبير، إلى درجة أن الإحصائيات تشير إلى أن واحداً من كل ثلاثة في العالم الغربي يعاني من أحد أشكال التهابات المفاصل، مع انتشار المرض لدى النساء بمعدلات تصل إلى ضعف معدلات انتشاره لدى الرجال.
وعلى عكس ما يعتقد كثيرون، لا تقتصر متاعب المفاصل على كبار السن والشيوخ فقط، بل يحظى الشباب، ومن هم في منتصف العمر، بنصيبهم من هذه المتاعب أيضاً. فعلى الرغم من أن حالات التهابات المفاصل الناتجة عن تحلل وتهالك الغضاريف (Osteoarthritis) تتزايد مع التقدم في العمر، إلا أن الأنواع الأخرى، مثل تلك الناتجة عن اضطرابات جهاز المناعة، لا تلتزم بالقاعدة نفسها. وحتى الحالات الناتجة عن تهالك غضاريف المفصل، والتي يمكن أن نطلق عليها التهابات المفاصل الانحلالية، أصبحت هي الأخرى تتزايد بشكل مطرد بين من هم في العقدين الثالث والرابع من العمر. ويعود السبب في ذلك إلى أن الكثيرين ممن هم في هذه الفئة العمرية، أصبحوا يمارسون حياة بدنية عنيفة، تتميز بقضاء ساعات من اليوم في ممارسة رياضات تضع الكثير من الضغط والمجهود على المفاصل ومكوناتها، وهو ما يؤدي في النهاية إلى إنهاك وتمزق المفصل ومن ثم تهالكه وانحلاله.
ولكن كما شهدت العقود القلية الماضية، زيادة واضحة ومطردة في انتشار حالات التهابات المفاصل الانحلالية، بسبب ارتفاع متوسط العمر، وخصوصاً في الدول الغنية، وميل الشباب إلى ممارسة الرياضات العنيفة بشكل أكبر، شهدت الفترة الزمنية نفسها تقدماً ملحوظاً في أساليب وخيارات العلاج الطبي والجراحي. فبخلاف الخطى الواسعة التي اتخذها العلاج الطبي، على صعيد تسكين الآلام وتخفيف الالتهابات، أصبح العلاج جراحي يوفر أيضاً العديد من الخيارات. أول تلك الخيارات، ربما كان هو المعروف بتقشير أو صنفرة المفصل (joint resurfacing). في هذه العملية، يقوم الجراح بتقشير وتنعيم أسطح المفصل، بغرض تقليل الاحتكاك بين أجزائه، وبالتالي تخفيف الآلام وزيادة مجال الحركة. هذه العملية غالباً ما تتم عن طريق المنظار، مما يجعلها أقل خطورة على المريض، والذي يتماثل للشفاء في وقت أسرع بكثير مقارنة بالجراحات الأخرى، مما يمكنه من العودة لحياته الطبيعية وممارسة عمله بعد فترة زمنية قصيرة. الخيار الجراحي الثاني المستخدم في حالات التهابات المفاصل الانحلالية، يستخدم في الحالات التي يكون فيها الوضع الصحي للمفصل متدهوراً إلى حد ما، ويعتمد على قطع جزء -على شكل وتد- من عظام المريض، بهدف تحويل مركز الثقل من الجزء المصاب إلى جزء سليم، قادر على تحمل وزن الشخص بشكل أفضل.
أما الحل الجذري والنهائي للمفاصل التي وصلت إلى درجة من التهالك لا يجدي معها التقشير أو القطع، فيعتمد على استبدال المفصل الطبيعي بآخر صناعي، مصنوع من معدن خاص. هذا الإجراء اقتصر استخدامه في الماضي على كبار السن، وإنْ كانت السنوات الأخيرة قد شهدت توسعاً في استبدال المفاصل الطبيعية بمفاصل صناعية لدى الشباب أيضا. وهذا التوسع ربما كان هو المسؤول جزئياً عن الانفجار الحادث والمتوقع في حالات استبدال المفاصل خلال السنوات والعقود القادمة.
وفي الأسبوع الماضي، وخلال الاجتماع السنوي للأكاديمية الأميركية لجراحة العظام في مدينة شيكاغو الأميركية، أعلن الباحثون أن جراحات استبدال مفصل الركبة ستشهد زيادة مقدارها 673% خلال العقود الثلاثة القادمة، لتصل بحلول عام 2030 إلى 3.5 مليون جراحة سنوياً لاستبدال مفصل الركبة في الولايات المتحدة فقط. أما جراحات استبدال مفصل الفخذ، فستشهد هي الأخرى زيادة بمقدار 174%، لتبلغ أكثر من نصف مليون جراحة سنوياً بحلول عام 2030. وبالأخذ في الاعتبار أن هذه الملايين من جراحات استبدال مفصلي الركبة والفخذ، ستتم في الولايات المتحدة فقط، يمكننا أن نستنتج أن استبدال المفاصل سيبلغ عشرات الملايين من الجراحات السنوية، في الغرب وبقية دول العالم. ويعود السبب الرئيسي في هذا الانفجار الجراحي المفصلي، إلى الزيادة المتوقعة في متوسط أعمار الجنس البشري خلال العقود القليلة القادمة، ضمن ما يعرف بـ"تشيخ المجتمعات". ويتوقع أيضاً أن تشهد أساليب العلاج الطبي اختراقات كبيرة هي الأخرى خلال تلك الفترة. فعلى سبيل المثال، اكتشف علماء جامعة هارفارد في مارس من العام الماضي، أن الغذاء المحتوي على كميات كبيرة من زيت السمك، يزيد من قدرة الجسم على إنتاج الدهون المضادة للالتهابات،