ضمن "توابع" الاحتجاجات العمالية التي تحولت إلى أعمال شغب محدودة نهاية الأسبوع الماضي، ربطت بعض التقارير الإعلامية بين فورة الازدهار التنموي التي تشهدها الدولة من ناحية، وما وصفه أحد هذه التقارير بـ"حياة العبيد" للعمالة الوافدة في مشروعات البناء من ناحية ثانية. ما يعني أن الواقعة -أياً كانت أسبابها ونطاقها- قد تحولت بالنهاية إلى بوابة للنيل من الصورة النمطية للدولة في الخارج، وقدمت للإعلام وجبة شهية مجانية بما ينطوي عليه الحدث من عناصر الوصفة المثالية الخبرية للتشويق والإثارة. وبعيدا عن ذلك، يمكن القول بأن التقارير الإعلامية التي نشرت التقت في تفاصيل عدة من بينها أنه رغم ندرة حدوث أعمال الشغب، فإن ذلك لا ينفي أن ما حدث يعد إشارة إلى تفشي السخط بين قطاعات عريضة من العمالة الأجنبية، وفي هذا الإطار تشير التقارير إلى أعمال احتجاجية أخرى، واعتداء على سفارة بنجلاديش من جانب رعاياها في الكويت العام الماضي احتجاجا على ظروف العمل، ما يعني أن الحدث يتكرر وردود الفعل باتت تميل إلى العنف أكثر من ذي قبل، وهذه هي الرسالة الأخطر التي ينبغي علينا التقاطها والتعامل معها كي يصبح ما حدث مؤخرا مجرد "ذكرى بائسة" بدلا من أن يكون "بروفة" مصغرة لسيناريوهات أكثر سوءا.
بعض الآراء ترى أن الاهتمام الإعلامي بتغطية الاحتجاجات العمالية بات عنصر "تحفيز" يغذي الميل إلى التجمهر والاحتجاج، بل إن البعض يلاحظ أن بعض هؤلاء العمال باتوا في الآونة الأخيرة يصطفون لأخذ "الصور التذكارية" لمشاركتهم في الاحتجاجات العمالية، ما يعكس تحولاً في القناعات الذاتية لجهة أن الإعلام بات عنصر ضغوط مؤثرا يدعم حصولهم على مطالبهم بدرجة تفوق سياسة طرق أبواب الأجهزة الحكومية المعنية، أو بمعنى آخر لأنهم باتوا على قناعة بأن تلك الأجهزة تتحرك بناء على التصعيد الإعلامي، والفيصل في الحالتين أن صور الصفحات الأولى والعناوين العريضة باتت متغيرا مؤثرا في التفكير الجمعي لهذه الشرائح. بالطبع لو صح ذلك، فإنه يعبر عن أزمة ثقة بين هؤلاء العمال والقنوات الشرعية الرسمية، وهو أمر يحتاج إلى ترميم ومعالجة عاجلة بدلا من تغذية أجواء التوتر عبر التصريحات المتبادلة حول تفسير ما حدث، وهل يعبر عن أجواء احتقان وحقوق مهضومة أم أنه يعبر عن رغبة في "ابتزاز" العمال للشركات.
أيا كانت التفسيرات، فإننا أمام واقع معقد ينبغي التعاطي معه، وإيجاد حلول جذرية للمشكلات المثارة، بما يؤدي إلى تحسين ظروف العمل وضمان الوفاء بالحقوق، على أن تدرس هذه الإشكاليات بشكل جذري لا يتجاهل الأسباب الحقيقية لتعثر بعض الشركات في دفع الرواتب. ولندرك جميعا أن ما يعتبره البعض منا "سوء فهم" قد يتسبب في كوارث لا تحمد عقباها، خصوصا في ظل وجود عوامل تحفيزية مثل الشائعات و"المعلومات المغلوطة" وفقدان الاتصال بين إدارات الشركات والعمالة، فضلا عن أجواء الشحن النفسي والاحتقان والتراكمات والتجارب السابقة وغير ذلك، ولا ينبغي مطلقاً التهوين من أثر بعض حالات "سوء الفهم" والمعلومات المغلوطة، فمعظم النار من مستصغر الشرر كما يقال!!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية