بوصفه رئيساً للوزراء، وأحد أغنى أغنياء تايلاند، حكم "تاكسين شيناواترا" البلاد لخمس سنوات على طريقة رؤساء الشركات، إلا أنه عجز خلال الأسبوع الأخير عن فعل شيء واحد، وهو وضع قدميه في مكتبه الخاص. حيث خرج الآلاف من المتظاهرين إلى الشارع وتجمعوا أمام مقر الحكومة، مطالبين بتنحيه عن السلطة، وهو أمر دفع "شيناواترا" إلى اختيار تفادي المواجهة والابتعاد، إذ اضطر إلى إدارة حكومته انطلاقاً من مقر وزارة الخارجية.
خلال مظاهرة الأسبوع المنصرم، قال "شيناواترا" لأنصاره: "لقد حاصر المحتجون الحكومة، والآن ها هم يمنعونني من العودة إلى مكتبي"، مضيفا: "أنتم فقط من يستطيع مساعدتي على العودة إلى مقر الحكومة بتصويتكم على حزبي في الثاني من أبريل". ويسعى "شيناواترا" الذي تتهمه المعارضة بالفساد جاهدا إلى إنقاذ حياته السياسية –وربما ثروته الشخصية- في انتخابات غير مقررة دعا إليها على أمل الفوز بولاية جديدة وإخراس منتقديه.
ومع اقتراب موعد الانتخابات، تجد البلاد نفسها منقسمة بين الطبقة الوسطى الحضرية، التي ترغب في إسقاط "تاكسين شيناواترا"، والفقراء في الأرياف الذين يرون فيه المنقذ والمخلص. هذا ويمسك "شيناواترا" بالسلطة منذ أكثر من خمس سنوات، وهي أطول فترة يشغل فيه رئيس للوزراء السلطة منذ أن أصبحت تايلاند ملكية دستورية في 1932.
وبفضل سيطرة حزبه على البرلمان، دافع "شيناوترا" بقوة عن أجندة لقيت دعماً واسعا في أوساط الفقراء، حيث تعهد بمنح 25000 دولار لكل قرية، وحدد رسوم إجراء الفحوص الطبية بـ75 سنتا. إلا أنه سعى إلى السيطرة على وسائل الإعلام، وتعامل بقوة وصرامة لمواجهة استعمال المخدرات وتمرد المسلمين التايلانديين في الجنوب. ومما يجدر ذكره في هذا السياق أن ثمانية وسبعين مسلماً قضوا، قبل أكثر من عام، اختناقا أثناء نقلهم على متن شاحنات عسكرية، وذلك بعد أن تم توقيفهم في إحدى المظاهرات الاحتجاجية. كما تم قتل حوالى 3000 متهم باستعمال المخدرات وترويجها في إطار الحرب التي شنتها السلطات على المخدرات.
وبعد توليه منصب رئاسة الوزراء، سلم "شيناواترا"، الذي يوصف بأنه أغنى رجل في تايلاند، إدارة شركاته إلى أفراد عائلته، إلا أن منتقديه ينفون أن يكون قد تخلى فعلاً عن إدارة شركاته، متهمين إياه باستغلال منصبه لتوسيع إمبراطوريته التجارية. وبالنسبة لمناوئيه، يشكل بيع حصة العائلة في رأسمال شركة الاتصالات "شين كورب" في يناير المنصرم، والبالغة 49.6 في المئة، القشة التي قصمت ظهر البعير. فبعيد أيام على تمرير البرلمان قانونا يلغي واجب دفع الضرائب في مثل هذه العمليات، باعت العائلة حصتها لشركة "تيماسيك هولدينغز" السنغافورية المملوكة للدولة، والتي تترأسها "هو تشينغ"، عقيلة رئيس وزراء سنغافورة "لي هسين لونغ".
ويقول المتهمون إن المناورة سمحت لرئيس وزراء تايلاند بتفادي دفع ما لا يقل عن 667 مليون دولار على شكل ضرائب على الصفقة. وتعليقاً على هذا الموضوع، قال المحامي "فريابول فيهيترا"، بينما كان يهم بافتراش الأرض خارج مكتب رئيس الوزراء، إلى جانب الآلاف من المعتصمين الذين يطالبون برحيل "شيناوترا": "لقد استغل نفوذه، ولم يسمح بإجراء أي تحقيق، ولا يكف عن تضليل الشعب".
واليوم فإن خصوم رئيس الوزراء التايلاندي، ومنهم من كان في السابق من أنصاره، يطالبونه بالتنحي عن السلطة، وقد نظموا مظاهرات عديدة في العاصمة بانكوك، حيث نُظمت الأسبوع الماضي، مسيرة احتجاجية شارك فيها نحو 100 ألف قصدوا مقر الحكومة واعتصموا بالشوارع المجاورة. وأثناء الاعتصام، أقام المتظاهرون مطبخاً ونصبوا الخيام، وحرصوا على أن تتواصل المظاهرة على مدار الساعة بأعداد تراوحت ما بين المئات إلى عشرات الآلاف من المشاركين، متعهدين بأنهم لن يغادروا المكان حتى يرحل "شيناواترا".
وفي المساء حينما تنخفض درجات الحرارة، يجلس المعتصمون على قطع من البلاستيك للإصغاء إلى المتحدث تلو المتحدث وهو ينتقد رئيس الوزراء التايلاندي. وبالنظر إلى الطعام المتوفر وأكشاك الأقمصة التي تحمل شعارات مناوئة لـ"شيناواترا"، يمكن القول إن جو الاعتصام يشبه إلى حد كبير أحد المعارض المفتوحة، باستثناء ربما المئات من أفراد قوات مكافحة الشغب الموجودين بالجوار. ويتألف المحتجون في غالبيتهم من النخبة التايلاندية من رجال الأعمال والمحامين والأساتذة والمضاربين والمعلمين وأصحاب المتاجر. وتبدو عبارة "تاكسين ارحل!" في كل مكان، على اللافتات كما على الأقمصة. كما تدعو لافتات أخرى إلى نبذ العنف حيث نقرأ فيها "التغيير سلميا".
ويقر المنتقدون باحتمال فوز "شيناواترا" بأغلبية المقاعد في البرلمان نظرا للشعبية التي يحظى بها في الأرياف، والتي يعزونها إلى الرقابة التي يفرضها رئيس الوزراء على تلفزيون الدولة. وفي هذا السياق يقول معلم لمادة الرياضيات مشارك في الاعتصام: "إن شيناوترا يبيع الأحلام للفقراء، إنه يجسد أملهم الوحيد للفرار من الفقر ولكنه كذاب، أمر لا يعقل!"
هذا وقد دعت