لو سلّمنا مبدئيا بوجهة النظر القائلة بأن الاحتجاج العنيف الذي شمل نحو 2500 عامل في دبي، نهاية الأسبوع الماضي، ليس سوى "دلع عمال" وأن الشركة الكفيلة "وفرت لهم كل وسائل الراحة، بل ووافقت من قبل على رفع رواتبهم بأثر رجعي، وتقدم أكثر من المطلوب منها"، فإننا سنجد أنفسنا في مواجهة تساؤل تقليدي مفاده: ما هو سبب هذا "الدلع" السخيف والمخيف؟ التحقيق في هذه الواقعة تحديداً قد يكشف عن مطلقي شرارة الاحتجاجات ومؤجّجيها، ولكنه لن يكشف بالضرورة عمّا هو أبعد من ذلك، فهذه هي مهمة خبراء الجهات المعنية بملف العمالة الوافدة.
إن احتواء ما حدث أمنياً ينبغي ألا يكون نهاية القصة، فالواقعة خطيرة وتستحق تسليط الضوء عليها بقوة لدراستها وتحليلها والاستفادة من دروسها، لا سيما في ظل ما يثار بشأن الاتجاه إلى بناء "مدن عمالية" ضخمة، تتسع الواحدة منها لنحو مائة ألف عامل أو يزيد، وفي ظل استمرار الصمت على المخالفات السائدة في سوق العمالة الوافدة، وعدم معالجة الأسباب الحقيقية للاحتجاجات العمالية المتكررة. ولعل أخطر ما في واقعة الشغب هذه، أن "سلوك القطيع" كان محركاً للمواقف في تفاقمها وتسلسلها الحلزوني، فالاحتجاجات الأولية أفرزت احتجاجات تضامنية أخرى قدمت الإسناد ووسعت دائرة الشغب، وفي حالة كهذه يصعب السيطرة على السلوك الفردي، ويصبح من الوارد أن يتصرف الأفراد بطريقة غير مقبولة ويقدمون على سلوكيات قد لا تكون مقبولة في إطار فردي، فالمحرك الجماعي في حالة كهذه هو سلوك القطيع الذي يحكم تصرفات الكل ويلغي عقل الفرد، وهنا نكون بصدد مشاركات تضامنية بدائية لا تجد لها في كثير من الأحوال تفسيراً عقلانياً، وهو ما يحصل في الجماعات المتجانسة أو على مستوى الطائفة، ولكنها في حالات أخرى تعبّر عن مكنون العقل الباطن وتفجّر طاقات غضب كامنة إزاء موضوع ما.
أكثر ما يثير القلق ويستحق الدراسة في حالتنا هذه، هو احتمالية توسع نطاق الاحتجاج في أي سيناريو مستقبلي مشابه، بحيث يصبح النطاق الجغرافي الميداني لتقديم "المساندة" الاحتجاجية والانخراط في "سلوك القطيع" واسعاً، بحيث يشمل مدينة بأكملها، أو ربما ما يتجاوز نطاق المدينة الواحدة ويتواصل مع نطاقات جغرافية أخرى، وهذا هو السيناريو الأسوأ الذي لا نتمنّاه وينبغي أن نعمل جاهدين على تفاديه والتخلص من مقدماته.
البعض يرى أن العمالة الوافدة "قنبلة موقوتة" في كل الأحوال، بينما يرى آخرون أنها "شرّ لا بد منه" لديمومة التنمية، وبين هذا وذاك ينبغي أن نشقّ طريقاً ثالثاً لاحتواء الأخطار المحتملة لهذا الوضع، علماً بأن من تابع مسلسل الاحتجاجات العمالية في السنتين الأخيرتين على وجه التحديد، يخرج بنتيجة مفادها، أن هذه الاحتجاجات أخذت منحنى تصاعدياً سواء من حيث عدد الاحتجاجات مقارنة بفترات سابقة، أو من حيث المشاركين في كل احتجاج، وكذلك من حيث مستوى الجرأة في إبداء ردود الأفعال، وكان واردا أن تنزلق هذه الجرأة إلى شغب لو توافرت لها ظروف مشجعة وعوامل تغذية مؤثرة.
إن أجواء التوتر والشحن المعنوي الدفين والمتراكم بين شرائح العمالة الوافدة، تنذر بالخطر، والمأمول أن تكون هذه الواقعة بداية جديدة للتعاطي الجادّ مع هذا الملف الشائك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية