كلما انعقدت جلسة من جلسات المؤتمر الوطني للحوار في لبنان، وأُعلن عن موعد الجلسة المقبلة، عممّ البعض أجواء سلبية وتشاؤمية وبين الجلستين مارس كل ما يمكن أن يؤدي إلى تكريس هذه الأجواء. ويعيش اللبنانيون ساعات وأياماً من القلق ليكتشفوا أن الحوار استمر وأن خطوات متقدمة قد تحققت. هل يعني هذا أن ثمة إفراطاً في التفاؤل، وأن المؤتمر سيؤدي إلى معالجة كل القضايا الخلافية دفعة واحدة؟
لست شخصياً من الذين يبالغون أو يفرطون في التفاؤل حيال أي أمر، فكيف حيال أمور سياسية معقدة شائكة يقع خلاف حولها منذ سنوات؟ وعلمتنا التجارب أن جهات كثيرة لا ترغب في الوفاق بين اللبنانيين، الذين يشعرون بمخاوف وهواجس كثيرة وبالتالي يتطلعون إلى هذه الجهة أو تلك لمساعدتهم عندما ينعدم التواصل أو يتعثر الوفاق. من هنا أهمية تجربة الحوار الأخيرة التي انطلقت في لحظة بلغت الهواجس والمخاوف قمتها، ووصلت التوترات السياسية إلى حد ينذر بانفجار وهي جاءت بطبيعة الحال بعد مرور سنة تقريباً على اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتداعياته. المهم، انعقد الحوار وتحقق تقدم. اتفقنا على قضايا أساسية منها:
1- إجماع على استكمال التحقيق الدولي، وتشكيل محكمة ذات طابع دولي، وتوسيع التحقيق ليشمل كل الجرائم التي ارتكبت منذ محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة، أي منذ فرض قرار التمديد لرئيس الجمهورية إميل لحود وانطلاق معارضة قوية كان حمادة أحد أبرز عناصرها، وحتى اغتيال النائب الشهيد جبران تويني.
هذا أمر مهم جداً لاسيما وأن مناقشة فكرة المحكمة الدولية كانت قد أخذت بعداً كبيرا بسبب رفض بعض الأطراف. مما أدى في مرحلة ما إلى اعتكاف وزراء حركة "أمل" و"حزب الله" عن المشاركة في أعمال مجلس الوزراء لمدة 7 أسابيع، وترك القرار انعكاسات سلبية كبيرة على مستوى العمل الحكومي من جهة، والعلاقات السياسية بين مختلف القوى من جهة ثانية. والمطلوب اليوم وبعد قرار مجلس الأمن تفويض الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان بمتابعة تشكيل المحكمة بالاتفاق مع لبنان، تعاون كل الدول والأطراف ولاسيما سوريا مع لجنة التحقيق الدولية لضمان الوصول إلى الحقيقة. وفي سياق آخر يبدو أن سوريا لا تزال مترددة. فالكلام الذي صدر عن الرئيس الأسد مؤخراً أشار إلى التزام سوريا بمحاكمة أي متورط إذا كان سورياً وفقاً للقانون السوري. لأن الحديث عن المحكمة الدولية سابق لأوانه كما قال. وبالتالي هذا يؤكد الموقف السوري الرافض تشكيل المحكمة الدولية.
2 - تحديد مزارع شبعا لإثبات لبنانيتها! كان إجماع على تجاوز كلمة ترسيم التي تثير المسؤولين السوريين الذين عملوا على عرقلة أي اتفاق حول نص يتضمن كلمة ترسيم لأن الترسيم قد يصل إلى حدود بحيرة طبريا، وهذا يؤثر على موقفهم التفاوضي مع إسرائيل. لبنان لا يريد إلا الخير لسوريا. ويدعم استعادة سوريا كل أراضيها المحتلة. كل ما يريده إثبات لبنانية المزارع لدى الأمم المتحدة، ومعالجة مشكلتها مع المنظمة الدولية. فتحديد المزارع ممكن أن يتم على الخرائط ولا حاجة لحضور لبنانيين أو سوريين إلى المناطق التي تتواجد فيها قوات الاحتلال الإسرائيلي وبالتالي هذا يسقط الذريعة التي كانت تقال إن الترسيم غير ممكن في ظل الاحتلال . ثانياً التحديد على الخرائط يؤدي إلى توقيع لبناني وسوري مشترك على محضر ويسجل في الأمم المتحدة. ساعتئذ يكون مجلس الأمن مضطراً إلى إدراج المزارع المحتلة تحت القرار 425 وليس تحت القرار 242. وبالتالي يطالب إسرائيل فوراً بالانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة. وفي مثل هذه الحالة نكون قد أكدنا أن القرار 425 لم ينفذ. السؤال: هل ستبادر سوريا إلى التوقيع على محضر مشترك مع لبنان؟
المتحاورون فوضوا رئيس الحكومة اللبنانية بالتوجه إلى مجلس الأمن وسوريا. وهو سيفعل ذلك قريباً. والمتحاورون أكدوا أنه لابد من توقيع سوريا. هل ستفعل سوريا؟ الواضح حتى الآن أن الجواب سلبي. هنا محك مصداقية القرار السوري من جديد، ومحك مصداقية الإجماع اللبناني أيضاً وعلى الجميع أن يلتزم بما أجمعنا عليه.
3- الموضوع الفلسطيني: سحب السلاح خارج المخيمات. معالجة السلاح داخل المخيمات. والاهتمام بالقضايا الحياتية والإنسانية للفلسطينيين في المخيمات. حُددت مهلة 6 أشهر لسحب السلاح خارج المخيمات وبإجماع لبناني. ثمة من يتساءل وإذا لم يحصل ذلك؟ وإذا لم يلتزم الفلسطينيون أو بعضهم خصوصاً الذين يرتبطون منهم بسوريا؟ الجواب بسيط: ليس ثمة أقوى من الإجماع اللبناني. والذين يقولون لنا في الداخل والخارج اتفقوا ونحن نساعدكم، ولن يقف أحد معكم إذا لم تتفقوا مع بعضكم بعضاً. نقـــول لهم: لقد اتفقنا. فهل يحول شيء دون التنفيذ؟ وإذا حصل أمر من هذا النوع فالمسؤولية واضحة. إنها تقع على الفصائل الموالية لسوريا والتي يحاول بعضها تهديد لبنان. وتقع أيضا على القوى السياسية التي كانت جزءاً من الإجماع لتؤكد التزامها ومصداقيتها. ينبغي أن يسلم السلاح خارج المخيمات خلال المدة الزمن