مرت قبل أيام الذكرى الثالثة للغزو الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق، والذي انتهى بإسقاط نظام صدام واحتلال البلاد، وأعترف في هذه الذكرى، بأنه قد بدأ اليأس يسيطر على استقرائي لما ستؤول إليه أحوال العراق، وأنا ممن تمسكوا بالأمل تمسكاً يقترب من السذاجة، حتى بدأ يتلاشى على يد من كانوا رفاق الأمس في مواجهة الديكتاتورية، وإذا بهم يراوحون أشهراً لتشكيل حكومة وحدة وطنية.
كانت البدايات خطايا أميركية في دفع البلاد نحو الفوضى، بحل الجيش والمؤسسات وإهمال الحدود مفتوحة للإرهاب، فانتهكت البلاد، وتضرر الخلق والعباد، ثم تلتها إدارة "بول بريمر" الرجل الذي له من الخطايا أكثر مما له من الحسنات.
ولكن المحزن جداً هو أن الذين ناضلوا وضحّوا من أجل التخلص من حكم الفرد، مختلفون على تشكيل الحكومة بسبب فرد- الدكتور إبراهيم الجعفري، مرارة ما بعدها مرارة، وخيبة أمل في رفاق الماضي القريب، وصدام ومعه فلوله والتكفيريون والطائفيون "يطقون إصبع"، ويرقصون "الهجشع والجوبية" وهي رقصات شعبية عراقية، فهم يتابعون ويقهقهون: "مو قلنا لكم، العراق ينراد واحد مثل أبوعدي".
الائتلاف يقول بأن الجعفري ليس فرداً ولا يمثل إرادة فردية، لكنه يمثل إرادة الناخبين، وعلى الآخرين احترام إرادة الأغلبية، والقوى السياسية الأخرى تقدم الدليل تلو الآخر نحو استحالة قيام حكومة وحدة وطنية يرأسها الجعفري، متهمين إياه بالطائفية والتفرد بالقرارات دون الرجوع للرئاسة أو أعضاء حكومتة.
علاوي أعلن أن العراق يعيش حرباً أهلية، وكذا أعلن الصدر بعد تفجير معمارية العسكري، الحكيم يرفض وصف الحالة العراقية بأنها حرب أهلية، وتلفزيون "الفرات" يقدم تقارير يومية عمن "هجرهم التكفيريون من أتباع آل البيت". لا تقارير عمن هجرتهم "منظمة بدر" من مناطق الجنوب وجنوب الوسط من أهل المذاهب الأخرى، أو تعذيبهم على أيدي قوات أمن بيان جبر صولاغ، وزير الداخلية.
بعد تفجير سامراء، كادت "تنلاص"، أي يصبح عاليها سافلها، لولا السيستاني وبعض البقية الباقية من العقلاء. عمار الحكيم قاد مظاهرة في كربلاء بعد التفجير: "الموت لأميركا، الموت لإسرائيل".
وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد حذر من أن العراق يسير نحو الحرب الأهلية، لكنه أكد على أن الخروج من العراق "بمثابة تسليم ألمانيا للنازية". ولكن من جانب آخر أعلن نائب الرئيس الأميركي -ديك تشيني- في برنامج "قابل الأمة" FACE THE NATION الشهير، رفض القبول بانهيار الوضع، وترجمه على أنه احتضار الإرهاب والإرهابيين الذين يلفظون أنفاسهم الأخيرة.
السفير الأميركي في العراق، ومهندس ترتيب الوضع الأفغاني بعد سقوط "طالبان" زلماي خليل زاد، يمارس "ضغوطا" على الأطراف العراقية للإسراع في تشكيل حكومة وحدة وطنية طال انتظارها منذ نهاية الانتخابات في منتصف ديسمبر الماضي. السيد عبدالعزيز الحكيم، رئيس "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق"، دعا إلى تفاهم أميركي- إيراني حول الوضع العراقي. دعوة الحكيم فسرتها أطراف سياسية أخرى من بينها صالح المطلق زعيم "جبهة التوافق العراقية" بأنها "شرعنة" للتدخل الإيراني في البلاد، فما دخل إيران بتشكيل حكومة وحدة عراقية؟ أضاف المناوئون للدعوة.
نبرة خطاب الرئيس الأميركي في الذكرى الثالثة للحرب أقل حماساً مما كانت، وإنْ حاول أن يضفي على خطابه نوعاً من التفاؤل، لكنه تحت ضغوط متزايدة، وبالمناسبة، فإن انتخابات الكونغرس على الأبواب.
ولدى خليل زاد -الذي يجيد الفارسية- ضوء أخضر للتفاهم مع إيران حول العراق حصراً! هكذا تقول مصادر أميركية. عجيب: "على هامان يا فرعون؟"، أمن المعقول أن تحصر أجندة الحوار مع الإيرانيين حول العراق؟
"الوضع في منتهى الخطورة"، "الوضع خطير جداً جداً جداً"، هذا خطاب عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية في مؤتمر القمة القادمة التي سوف تعقد في الخرطوم.