درج الدكتور حسن الترابي الزعيم الإسلامي السوداني المعروف، منذ أن أُفرج عنه من المعتقل قبل عام أو نحوه، على الإدلاء بتصريحات تكشف الكثير مما كان سراً محاطاً بالكتمان في الفترة التي كان فيها على رأس نظام الحكم في السودان، وجاء آخر تصريحاته التي أذاعتها إحدى الفضائيات العربية في 17 من الشهر الجاري قوية كالصواريخ الموجهة أو كالعاصفة (الترابية) التي عرفت بها الخرطوم لاسيما في الفترة بين أواخر شهر مارس ونهايات شهر يونيو. وكان الهدف وما زال من هذا الجهد هو فضح كثيرين من قادة الحكم الحاليين، وتجريمهم بصورة أو بأخرى.
تناول الدكتور الترابي عدداً من القضايا أهمها قضية محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995، وقضية الإرهابي المعروف كارلوس وقضية إقامة أسامة بن لادن في السودان لبعض الوقت.
نفى الترابي أن يكون هو الذي جاء بابن لادن إلى السودان كما نفى أية علاقة له بكارلوس وتدبير تسليمه للأمن الفرنسي بعد تخديره ولكنه أطلق العنان في الحديث عن محاولة اغتيال الرئيس المصري فأكد ضلوع عدد من كبار المسؤولين الحاليين في المؤامرة رغم أنه برأ الرئيس عمر حسن أحمد البشير من العلم بما كان يحدث تماما كحاله. ويكاد السيد الترابي يقول الأسماء صريحة واضحة ولكنه يكتفي بالإشارات إلى المناصب التي كانوا يحتلونها. من ذلك مثلاً أن تلميحه بوضوح إلى أن من بين من يعنيهم نائب رئيس الجمهورية ورئيس جهاز الأمن السابق والأمين العام السياسي والتنظيمي للحزب الحاكم ومساعد رئيس الجمهورية. ولما ألح عليه محاوره ليفصح عن الأسماء قال إنه لن يفعل إلاّ إذا انعقدت محكمة وطلب إليه أن يؤدي الشهادة بعد القسم.
لقد أحدثت تصريحات الترابي الأثر المنشود منها في أوساط قيادة الحزب الحاكم والحكومة فكان هناك غضب وكان هناك قلق، وجاءت ردود الأفعال من بعض قادة النظام تحمل صبغة عامة ولا تحاول إثبات كذب ما قاله الزعيم السابق للحركة الإسلامية السياسية في السودان الذي ظل على رأسها منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، وقال أحد المعلقين من أولئك القادة إن الشيخ الترابي فقد بوصلته وهو تعبير يعني أنه أصيب بالخرف. أما المعلق الآخر فقد قال إن ما قاله الترابي إن هو إلاّ مكايدة سياسية. ويقيناً أن الرأي العام المستنير في السودان لم يقتنع بمثل هذه الردود ولا يعدها دفعا ورداً منطقياً على ما أثاره الرجل من اتهامات بالغة الخطورة ستبقى معلقة في الرقاب ظل هؤلاء في قمة جهاز الحكم كما هو الحال الآن أم ذهبوا.
وعلى صعيد آخر فإن أقوال الدكتور الترابي وما طرح من اتهامات واضحة وصريحة وبالتفاصيل من شأنها أن تثير مشاكل أخرى منها على سبيل المثال هل سيحضر الرئيس المصري مبارك مؤتمر القمة العربي الذي سيعقد في الخرطوم خلال الأسبوع القادم بعد كل ما تكشف؟ وحقيقة الأمر أن القاهرة تعلم ما قاله الترابي وبتفاصيل أكثر منذ 1995، ولكنها آثرت أن تسكت على الأمر حرصاً على علاقاتها بالسودان، وهنا نذكر أن مصر كانت ترفض زيارة بعض المسؤولين السودانيين لها عبر عدد من السنوات ثم كانت الوساطات والترضيات التي سمح لهم بعدها بأن يزوروا القاهرة ويلتقوا بمسؤولين فيها.
إن التساؤل المشروع هنا: هل تظل مصر على صمتها أم أن تصريحات الترابي كافية لإثارة قضية محاولة الاغتيال مرة أخرى وتقديم كل متهم مهما كان قدره للمحاكمة العادلة.
وبعيداً عن مصر فإن جهات أخرى مثل الأمم المتحدة ودول الغرب والتي تابعت هذه القضية خطوة إثر خطوة منذ 11 عاماً لابد أن يكون لها رأي فيما أُثير لاسيما وقد صار أغلب الحقائق ملكاً للرأي العام في السودان وخارجه.
وكما يقولون فإن المصائب لا تأتي فرادى والحزب الحاكم وقادته الآن في وضع لا يحسدون عليه فقد تعددت الأزمات وتكاثرت المحن وجاء الأب الروحي والزعيم السابق والمعلم الدكتور الترابي ليزيد الطين بلة ويضاعف من تعقيدات الأمر.