الآداب": فلسطين ولبنان في عنق الزجاجة
في المقال الافتتاحي للعدد الأخير من مجلة الآداب، يتحدث سماح إدريس تحت عنوان "أمور مغيظة"، عن التدخل الأميركي في لبنان عبر صور وأساليب مختلفة، ويقول: "لن نكرِّر الحديثَ عن "زيارات" السفير الأميركي المتواصلة إلى معظم (المراجع) السياسية في البلد؛ ولا عن ضغطه لإجراء الانتخابات النيابية (في وقتها) وبموجب قانونٍ انتخابيٍّ كان أكثرُ اللبنانيين يَرفضونه؛ ولا عن صفاقة السفارة الأميركية تجاه جريدة السفير؛ ولا عن اعتراضها على تعيين وزيرٍ أو مديرِ عامٍّ شيعيَّيْن... فكلُّ هذه الأمور نقرأ عنها يوميّاً، ولم يعد مُجْدِيًا أن يُنْكرَها أحد". ومن ذلك ينتقل الكاتب إلى الحديث عن الأثر الأميركي في التظاهرات التي واكبت استقلال لبنان عن سوريا، بهدف التدليل، انطلاقا من تقارير صحفية غربية عديدة، على أن السفارة الأميركية في بيروت، ومؤسسات أميركية أخرى، وقفت وراء تظاهرات "الـ14 مارس"، ضمن برنامج سري لتصعيد الضغط على الرئيس السوري لمغادرة لبنان كليا وإزاحة رموز المرحلة السورية هناك.
وتحت عنوان "لبنان في عنق الزجاجة"، ينطلق كميل داغر من المسيرتين اللتين شهدهما لبنان يومي 8 و14 مارس من العام الماضي، ليلاحظ أنّ "أكثر من نصف سكّان البلد نزلوا إلى الشارع تعبيراً عن مواقف أساسية متناقضة جذريّاً بخصوص العلاقة بسوريا ومفهومَي الاستقلال والسيادة". وقد جاءت المظاهرتان لتكْشفا حالةَ انشطار وطنيّ عميق، رأى الكاتب أنّه ذو سمةٍ طائفيةٍ غالبة. وهو انشطار قد يتفاقم لاحقًا، لاسيما إذا استمرّ تجاهُلُ بند "إلغاء الطائفية السياسية،" وباقي الممارسات التي تعزِّز البنى الطائفيةَ القائمة، بل ترسخ التعبئةَ والانقسامَ النفسي والفكري والعملي على أساس الطوائف والمذاهب.
وتناقش غادة الكرمي سياسة دعم الفلسطينيين، من خلال الدور الذي تمارسه المنظمات الغربية غير الحكومية في "صناعة العطف"، قائلة إن المانحين الدوليين، بتركيزهم على آثار الاحتلال بدلاً من إنهائه، قد حَوّلوا الصراعَ إلى تدافُعٍ فلسطيني داخليّ من أجل البقاء الفردي. وبالمِثْل، فالساسة الغربيون، بتركيزهم على الانتخابات الفلسطينية مثلاً دون النظر إلى سياسات إسرائيل، "يتهرّبون من مسؤولياتهم"، بل الأسوأ من ذلك أنهم "يبعدون الفلسطينيين عن نضالهم الوطني". وتعتقد الكاتبة أنّ المعونات الدولية توجِّه الفلسطينيين إلى التركيز على التعامل مع مشاكلهم اليومية، وخاصةً تلك الناجمة عن التضييق الإسرائيلي، بدلاً من أن يتوجّه أولئك المانحون ضدّ الجهة التي ما فتئت تعمل على تفكيك وإنهاء الكيان الفلسطيني. فإذا كان الهدفُ النهائيُّ هو حقّاً خلقَ دولةٍ فلسطينيةٍ مستقلّةٍ "قابلةٍ للحياة"، فالخُطوةَ الأولى يجب أن تكون إنهاءَ الاحتلال الإسرائيلي. وكلُّ ما دون ذلك هو "تلاعبٌ قاسٍ بآمالِ الفلسطينيين في قيامِ دولتهم".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
:Foreign Policy
خطورة العامل الديمغرافي
قضايا سياسية عدة شملها العدد الأخير من دورية Foreign Policy التي تصدر كل شهرين عن "منحة كارنيجي للسلام الدولي" في واشنطن. موضوع الغلاف، جاء تحت عنوان "العودة إلى الأبوية"، وفيه استنتج "فيليب لونغمان" أنه في مناطق كثيرة من العالم يفضل الناس إنجاب عدد قليل من الأطفال، أو يختارون عدم الإنجاب من الأساس، بيد أن الحكومات تسعى إلى الحد من هذا الاتجاه، لكن دون جدوى. الكاتب، وهو زميل في مؤسسة "نيو أميركا"، ومؤلف كتاب، "المهد الفارغ: كيف يهدد انخفاض عدد المواليد الرخاء العالمي وماذا يتعين علينا فعله؟"، أشار إلى أنه مع زيادة عدد سكان العالم، خلال القرنين الماضيين، بأكثر من ستة أضعاف، يسود اعتقاد لدى كثيرين بأن إنجاب عدد قليل من الأطفال سيضمن زيادة عدد سكان الأرض، إلا إذا حدث تراجع خطير في معدل بقاء المواليد على قيد الحياة، بحيث يقل عدد الأطفال لكل امرأة في العالم المتقدم عن المعدل الحالي وهو "2.1 طفل لكل سيدة". الكاتب لفت الانتباه إلى تراجع أعداد المواليد في الصين واليابان وكوريا الجنوبية وكندا ومنطقة البحر الكاريبي وأوروبا وروسيا، وفي بعض دول الشرق الأوسط. وتحاول كثير من الحكومات تشجيع مواطنيها على الإنجاب، كما هو الحال في سنغافورة وفرنسا والسويد. "لونغمان" لفت الانتباه إلى أهمية العامل الديمغرافي في الحفاظ على القوة الأميركية، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تفتقر إلى عدد السكان الذي يضمن استمرار نفوذها كقوة عالمية عظمى، علماً بأن انخفاض عدد المواليد في بريطانيا خلال القرن العشرين، أدى إلى تراجع دورها الإمبراطوري في العالم.
وبالنسبة لدول كأسبانيا وإيطاليا واليابان، حيث إنجاب طفل واحد فقط أصبح عرفاً، فإن ندرة السكان أصبحت شيئاً لا يمكن المخاطرة به. الكاتب تطرق إلى أهمية البعد الثقافي أو الأيديولوجي في مسألة الإنجاب، ففي أميركا على سبيل المثال، ثمة توجه ملحوظ نحو الانتقال من العلمانية والفردية إلى الأصولية الديني