مرت الآن ثلاث سنوات على الغزو الأميركي للعراق، الذي ينظر إليه على نطاق واسع في العديد من الأماكن على أنه كان فاشلاً، وأنه كان إيذانا ببدء صراع للحضارات، يهيمن عليه "الأصوليون" الذين يقومون بطرد الغرب من العالم العربي.
حسناً.. دعونا نرى ما إذا كان ذلك صحيحاً حقاً أم لا؟
هناك مثل أميركي معروف يقول "الحقائق شيء عنيد". وأرجو منكم أن تسمحوا لي بأن أكون "محامي الشيطان" خلال هذه المناقشة، وللحظة من لحظات حياتنا.
في الوقت الذي تواصل فيه القنابل انفجارها في العراق، وتعيش البلاد حالة من الفوضى العارمة، أليس صحيحاً أن سكان العراق البالغ عددهم 28 مليون نسمة قد انتقلوا من العيش تحت حكم نظام ديكتاتوري، إلى التمتع بأول انتخابات حرة لاختيار حكومة مؤقتة، وإقرار دستور جديد، وبرلمان تمثيلي، وأن هذا أكثر مما تستطيع أي دولة عربية باستثناء لبنان ادعاء امتلاكه؟
ففي تلك الانتخابات زاد عدد الناخبين المشاركين زيادة ضخمة من 8,5 مليون في يناير 2005 إلى 12 مليوناً تقريبا في ديسمبر الماضي على الرغم من الهجمات والتهديدات الإرهابية.
بصرف النظر عن الكيفية التي يتم بها قطع الكعكة العراقية، فإن الشعب العراقي اليوم أكثر حرية مما كان في قراءة، ورؤية، وقول، وكتابة ما يريده. فهناك ما يزيد على 24 جريدة تصدر في العراق الآن، وهناك إلى جانب ذلك عدة محطات إذاعة وتلفزيون حرة تذيع إرسالها على الهواء، وهناك عدد أقل من الحواجز أمام وجهات النظر القادمة من مختلف أنحاء المعمورة.
أليس من الصحيح أيضا أن العراق لم يعد ينظر إليه الآن على أنه يمثل تهديداً لجيرانه بما فيهم إيران والسعودية والكويت؟ ليس هذا فحسب.. بل إن الحقيقة هي أن بعض جيران العراق هم الذين أصبحوا يقومون بتصدير الإرهابيين إليه وليس العكس.
واعتباراً من هذا العام، أصبح هناك ما يزيد على مئة ألف ضابط وجندي عراقي، منشغلين بنشاط في حماية بلدهم، حيث يسيطرون سيطرة مباشرة الآن على 50 في المئة من الأراضي العراقية. لقد كانت القوات العراقية، وليس القوات الأميركية هي التي فرضت حظر التجول، واحتوت العنف عقب الهجوم على القبة الذهبية للمرقدين في سامراء، وهو الهجوم الذي قوبل بإدانة واسعة النطاق حتى من قبل صدام حسين نفسه خلال محاكمته. وربما يمكن القول إن العراقيين ليسوا مختلفين على النحو الذي يتخيله البعض عندما يتعلق الأمر بالصراع الطائفي.
أليس من الجائز أنه على الرغم مما نراه على الإنترنت، وعلى الرغم من الميول "اليسارية" لبعض الأشخاص، والرأي العام العربي العنيد، أن الغالبية العظمى من الشعب العراقي تريد النجاح لقوات التحالف؟ أليس صحيحاً أن العراقيين العاديين شأنهم في ذلك شأن العرب العاديين، ليسوا "جهاديين".. وأن كل ما يريدونه هو أن يعيشوا في سلام، وأن يبنوا مستقبلاً أفضل لهم ولعائلاتهم ويطردوا المتطرفين من بين ظهرانيهم؟
وفي مكان آخر وتحديداً في فلسطين تم عقد انتخابات حرة، جعلت تولي حكومة جديدة تقودها "حماس" أمراً قريباً. ماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة حالة من الفوضى: فالإسرائيليون يرفضون الحديث إلى "حماس"، ومنظمات الإغاثة تغادر المنطقة بسبب تعرض أطقمها للخطر واختطاف بعض عناصرها كل يوم، أما الأمن فقد خرج عن نطاق السيطرة حيث تقوم بعض الفصائل الفلسطينية المسلحة بإطلاق النار على الجميع.
لقد غدا واضحا للجميع أن "حماس" وهي تقترب من تولي السلطة للمرة الأولى قد أصبحت مرتبكة وغير قادرة على تشكيل حكومة فاعلة، سواء مع شركاء أو بمفردها. والحركة لها ممثلون في دمشق، وغيرهم في الداخل ممن يتحدثون لغة مختلفة تماماً، ولا يتكلمون مع بعضهم بعضاً.
أليس من الصحيح أنه في كل مرة تتولى فيها السلطة حكومة ذات رؤى راديكالية نجد أمامنا كارثة؟ لقد كان الأمر كذلك مع حكومة "طالبان" في أفغانستان التي أمضت فترتها في الحكم في إحراق الكتب، وحظر تعليم البنات، وإغلاق المسارح ودور السينما والمتاحف وتدمير تماثيل بوذا. وفي الجزائر ظهرت "الجبهة الإسلامية" التي أمضت ما يزيد على عشر سنوات في القتل مما أدى إلى مصرع ما يزيد على 100 ألف مدني هناك في حرب أهلية عبثية لفرض الخلافة وقطع الأذرع والرقاب باسم الإسلام.
أليس من الصحيح أنه في كل مرة تداعب فيها السلطة خيال التيارات الراديكالية يتضح لنا أن تلك التيارات تفتقر إلى الواقعية وتحتاج إلى مواقف أكثر دينامكية وتفاعلاً مع الواقع؟ إن الحقائق مؤلمة حقاً. ولكن لا مفر لنا من قولها وهي أن "الجهاديين" ليس لديهم مشروع اجتماعي. فتكرار مقولة إن "الإسلام هو الحل" لا يمثل مشروعاً اجتماعياً، وإنما هو إطار عام يحتاج إلى كثير من التفاصيل، كي يتجاوب مع طموحات الناس في الوقت الراهن .
أما بالنسبة للوجود الأميركي، فإن الحقائق مختلفة بشكل مؤلم عما نقرؤه.
فبدلا من مغادرة المنطقة، قام الأميركيون بمضاعفة وجودهم. إذ يوجد لديهم الآن 150 ألف جندي يحتلون العراق، كما يقومون في الوقت نفسه بإنشاء أكبر قواعد استخبارات وعمليات على مر تاريخهم.