التغيير سنة كونية يأخذ مجراه كما ينحت النهر الدافق شرائعه من خلال الصخور الصلدة ومن يقف أمامه يتكسر أو يتحجر ثم يتحول إلى ذرات من الرماد المتطاير كالهباء المنثور، هذا هو الإطار العام للتغيير في مسار التاريخ العام لأي مجتمع، والمجتمع العربي ليس استثناء وإن كان الزمن بالنسبة له بطيئاً أو ليست له قيمة حضارية لإحداث التغيير المنشود.
هذه الرسالة وصلت إلى جمهور الحضور للمؤتمر السنوي الحادي عشر حول (التحولات الراهنة ودورها المحتمل في إحداث التغيير في العالم العربي) الذي عقده مؤخرا مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ضمن برنامجه السنوي والتراكمي لبث التوعية الاستراتيجية في الأرواح المتعطشة إلى التغيير للأفضل.
حجر التغيير رمي منذ أكثر من عقد في محيط العالم العربي إلا أن التعامل مع هذا الحجر الصوان شابه الكثير من الاختلاف في وجهات النظر عندما مس الأنظمة التي لا تعترف أصلا بشيء اسمه الإصلاح أو التغيير إلا ما تراه من خلال المجهر الأمني.
إن دعاة التغيير بكافة مشاربهم الفكرية وتياراتهم السياسية والمتبنين المنهج السلمي باستخدام آلية الحوار أحيانا لصعوبة إحداث تغييرات محسوسة وحقيقية يلجأون إلى الدعوة بالإكراه والاعتماد على ضغوطات الخارج وهو ما نعتبره جزءاً من العنف الفكري لعل وعسى أن ينال ذلك لينا.
إلا أننا نرى أن القناعة هنا كنز لا يفني البشر، فالإقناع ولو طال أمده إلا أنه أدق نفعا من نبرة الإكراه وقد جرب الإرهابيون والمتطرفون كافة أنواع الإكراه المسلح إلا أنهم في النهاية وضعوا في قائمة مطولة للمنبوذين والمطلوبين لدى كافة الأجهزة الأمنية.
فعلى مدار التاريخ الماضي والمعاصر فإن التغييرات الجذرية كانت تمر ببحار من دماء الأبرياء الذين لم يكونوا أصحاب القرار ومع ذلك ذهبوا ضحية لعمليات التغيير القسرية التي لم تأتِ بنتائج عادلة.
فللعلوم الإنسانية رأي معتبر في تقبل التغيير على أكثر من مستوى، فهناك ثلاثة مواقف قد تتفرع أشكال التعبير عنها إلى عشرات الصور والمناهج في قبول التغيير أو عدمه فكلما كان التماس في العالم العربي مع القمة كانت درجة حرارة التغيير عالية وأما مع القاعدة فإنه مع الأسف في الغالب يكون الحكم للغوغاء الذين لا يميلون إلى التفكير في عواقب الأمور ويغلب عليهم ضيق الأفق وهو ما يجد التشجيع للحشود التي ما تلبث أن تفرقها أصوات الرصاص المطاطي أو العصي.
فالمواقف الثلاثة غالبا لا تتعدى القبول بدرجة 180° والرافض بدرجة 360° والمتأقلم سلميا مع الأوضاع الراهنة وهو لا يبحث عن (الفلعتين في الرأس لأنها توجع) وقد ساير (فلعة) واحدة بما فيه الكفاية.
إن الحماس إلى التغيير وحده لا يكفي لإحداثه لأن الآليات التي تقوم بهذا الدور غير متوفرة مثلما هو الحال في الدول الديمقراطية في الغرب أو الشرق وأميركا كما ذكر (كوهن) وزير الدفاع السابق لا تتصدق على الشعوب العربية بتلك الكلمة التي تدغدغ مشاعر الراغبين في التغيير من الخارج إلا لمصالحها، فالمطلوب من الداخل العربي استحداث آليات تساعد على تلك التغييرات المتكئة على التحولات الراهنة في العالم العربي بكل عناوينها الصارخة، فالعراق النموذج استثناء لا نريد أن يتكرر في مكان آخر لأنه ليس قالبا جاهزا يصلح لكل زمان وأي مكان، فالمحذور سياسيا التمثل به وإلا وقعنا في أخطاء مميتة سيدفع العرب فاتورتها لا نقول لعقود بل لقرون تأكل من أعمار أجيال المستقبل ما لا يمكن تعميره وفق هذا البرنامج في التغيير.