بعد أن اتخذت خطوات عملية لتعديل قانون هيئة الأوراق المالية والسلع مؤخرا، وهو قانون لم يمض عليه سوى ست سنوات، تعالت الأصوات مجددا مطالبة بإعادة النظر في التشريعات والقوانين الاقتصادية برمتها، والتي مضى على بعضها أكثر من ثلاثة عقود، حيث أجمع عدد من الاستشاريين والخبراء القانونيين، الذين استطلعت آراءهم بعض الصحف المحلية، على أن التشريعات والقوانين الاقتصادية المعمول بها في الدولة حاليا تعاني فراغا ونقصا تشريعيين، وأن هناك ضرورة ملحة لإعادة طرحها وتعديلها بما يتناسب مع التقدم الاقتصادي والتقني والحضاري الذي فرض حضوره وبقوة على دولة الإمارات، دون دول المنطقة، من خلال إطلالتها المشرقة على العالم وانفتاحها التجاري والصناعي والمالي على جميع المحافل الاقتصادية الدولية. إن القوانين والتشريعات الاقتصادية المعمول بها في الدولة حاليا، رغم التعديلات المستمرة والتطويرات المتلاحقة عليها، فإنها لم تتمكن في حالات عدة من اللحاق بالطفرة الاقتصادية المتسارعة التي تشهدها الدولة، خصوصاً وفق مفهوم الدولة للاقتصاد الحر والانفتاح الاقتصادي ودخول المستثمرين إلى الدولة وإنشاء المناطق الحرة والتغيرات العالمية لنظريات الاقتصاد والاجتماع وما رافقها من تطور مذهل وسريع يوجب على الدولة الإسراع والمجاراة واللحاق بركب التطور المحلي والإقليمي والدولي.
المتتبع لمسيرة البناء الاقتصادي والتشريعي في الدولة، يجد أن القوانين لم تعد فقط قاصرة عن مسايرة ظروف وإيقاع المرحلة الراهنة، وإنما هناك الكثير من هذه القوانين التي أصبحت تثقل كاهل الدولة والمواطن والمستثمر الأجنبي، ما أدى إلى تعدد القرارات والتعديلات والإضافات والحذف، التي شوهت كثيرا من هذه القوانين، بل الأكثر من ذلك أصبح هناك تضارب واضح بين بعضها بعضا، ما أدى إلى إرباك المعاملات المالية والتنظيم القانوني الإجرائي والموضوعي للعديد من القضايا الاقتصادية والتجارية. لذا، يلاحظ أن المشرع أو الإدارة يعملان على إصدار قرارات من شأنها أن تعالج مشكلة معينة في قطاع معين، وخير شاهد على ذلك قيام وزارة الاقتصاد والتخطيط مثلاً بإصدار قرارها بإيقاف تسجيل الشركات المساهمة العامة لضرورات اقتصادية تدخل ضمن السياسة الاقتصادية للدولة للمحافظة على التطور الاقتصادي الذي حققته، والسبب الرئيسي من وراء إصدار هذا القرار هو أن قانون الشركات، الذي تم وضعه في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، لم يعد يلبي متطلبات المرحلة. والنهج نفسه تتبعه وزارات ودوائر حكومية أخرى كل في مجال اختصاصه، فهناك حالات إصدار قرارات فورية وآنية فيما يخص سوق العمل نتيجة عجز قانون العمل، والأمر نفسه ينطبق على جهات أخرى.
لقد أصبحت حالات عجز القوانين الاقتصادية تتحول إلى ظاهرة، وهذا الأمر من الأهمية بمكان أن يتم الانتباه إليه ومعالجته، من خلال تغيير القوانين أو إدخال الإصلاح القانوني على التنظيم والهياكل القانونية والتشريعية، وهذا أمر طبيعي بالنظر إلى التطور الاقتصادي والاجتماعي الكبير، ودائماً ما يكون تطور القوانين لاحقاً على التطورين الاقتصادي والاجتماعي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية