هناك ظاهرة تلفت انتباهي بين أوساط المواطنين الإماراتيين من مثقفيهم وعامتهم، وبدت تلك الظاهرة بشكل جلي وأكثر وضوحاً خلال اليوم الأخير من فعاليات المؤتمر السنوي الحادي عشر لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية "التحولات الراهنة ودورها المحتمل في إحداث التغيير في العالم العربي" وهي أن الأرقام التي وردت في إحدى أوراق العمل التي طرحت في إحدى جلسات اليوم الثالث والأخير وتضمنت ما يفيد بأن 84% من إجمالي سكان الإمارات من العمالة الوافدة، وهذا الرقم قد يكون معروفا لدى البعض ولكنه على الأقل ليس شائعاً ومع ذلك فلم يلق هذا المؤشر أي صدى لدى أغلب الحاضرين من النخبة الإماراتية، ولم يجد ما يستحق من النقاش والتعليق على فعاليات المؤتمر.
تبعث بعض الأرقام المتعلقة بالقضايا المصيرية في الدولة على الحزن والأسى لما وصلت إليه خاصة قضية الخلل في التركيبة السكانية، والعجيب في هذه النسبة التي تؤكد أن مواطني دولة الإمارات لا تتعدى نسبتهم في أحسن الأحوال 16% فقط من إجمالي السكان أنها لم تثر أو تسبب أي انزعاج سواء من جانب الحاضرين في المؤتمر أو من مثقفي الدولة كما كان قبل فترة بسيطة عندما كان يشار إلى أي مؤشرات متضخمة حول عمق الخلل في التركيبة السكانية، وأخشى ما أخشاه أن يكون هناك نوع من الانحسار والتراجع في مستوى استشعار أهمية الخطر الناجم عن هكذا مؤشرات. ولأن حسن الظن عندي هو الغالب دائما، فقد تمنيت أن تخيب توقعاتي وظللت طوال أسبوع كامل –انتهت فعاليات المؤتمر يوم الثلاثاء 14 مارس- أتابع وأقرأ تعليقات الصحف المحلية وردود الأفعال حول المؤتمر، حيث اهتم الجميع بقضايا أخرى مهمة طرحت في المؤتمر ولكن للأسف لم يكن بينها المؤشرات المتعلقة بحجم الخلل والتأثيرات الناجمة عن العمالة الوافدة.
اللافت أيضا أن الرقم المعلن في ورقة العمل هذه يستند إلى إحصائيات عام 2003، وبالتالي يتوقع أن تكون هذه النسبة (84%) سجلت ارتفاعا في الأعوام التالية بحكم تزايد معدلات استقطاب العمالة لسد حاجة المشروعات التنموية الضخمة في الدولة، وأعتقد أن أحد أسباب قلة الاهتمام بهذه المؤشرات ينبع من رغبة الكثيرين في تفادي النقاش حول الواقع الديموغرافي لعدم وجود حلول واضحة في الأفق ومن انتشار -على ما يبدو- قناعات فردية من قبل شرائح من المواطنين بأن هذا الرقم لا يمثل مخاوف أو هواجس حقيقية رغم أن الدكتور مطر أحمد عبدالله استعرض في ورقته البحثية التي ألقاها في المؤتمر "الهجرة الدولية والتركيبة السكانية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية" تجارب مأساوية لدول عانت من المشكلة نفسها، مثل فيجي وسنغافورة نتيجة لعدم إعطاء المشكلة الاهتمام الذي تستحقه، فكانت النتيجة ما يعلمه الكثيرون منا من تعبات وتأثيرات استراتيجية لذلك. ورغم أن هناك يقينا شخصيا لدي بأن قياداتنا تمتلك وعيا تاما بحجم المشكلة وتعمل على البحث عن حلول لها، فإن ما أخشاه أن تكون دلالات هذا الرقم وأبعاده غائبة عن شريحة كبيرة من مواطني الدولة أو أنها غير معروفة بعد في أسوأ الاحتمالات. وما يدعو للقلق حول هذه المشكلة في دولة الإمارات أنه حتى وقت قريب كان خلل التركيبة هماً وطنياً وهاجساً يومياً محسوساً ولكن يبدو أن الأمر تحول إلى شأن عابر يتم تداوله في النقاشات المتخصصة، بل وباتت المسألة برمتها "قضية مناسبات" تفتح وتغلق في قاعات البحث دون أي دهشة أو إثارة.
إن طرح هذه الملاحظات ليس "طعنا" في الإدراك بخطورة المشكلة بل هو مجرد تذكرة بخطورة مؤشر ورد ضمن مؤشرات مهمة عديدة طرحت في جلسات المؤتمر السنوي الحادي عشر لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.