يبدو أن عدوى الإغراءات التي تقدمها البنوك لعملائها لتشجيع القروض الشخصية ولو بالدفع على مدار 150 شهرا، يبدو أن هذه العدوى انتقلت إلى قطاع آخر ولكنه أخطر لجهة عمق التأثيرات الجانبية وامتداداتها وتشعباتها ودلالاتها، إذ اتجهت مكاتب جلب العمالة المنزلية إلى مزاحمة البنوك في التسهيلات، حيث أعلنت إحدى الشركات مؤخرا عما وصفته بـ"عرض مغرٍ" لجلب خادمات بالتقسيط "مع الضمان"، ما دفع شركة أخرى إلى المزايدة بعرض أكثر سخاء يفهم من نصه أن هناك "خادمة هدية" تقدم مع كل خادمة يتم التعاقد عليها؟!!.
هذه الإعلانات قد تكون محصورة ضمن نطاق الممارسات الدعائية والمزايدات التجارية بهدف جذب العملاء، ولكن لو صحت صحة هذه "العروض" والتسهيلات فإننا نكون بصدد مشكلة حقيقية تتعلق بتفشي الاستهتار وتغليب التجارة على المصلحة العامة، ولو صح ذلك أيضا فإن أي حديث عن وجود متابعة أو رقابة رسمية من أي نوع على أنشطة هذه المكاتب يبدو للوهلة الأولى خارج نطاق الحقيقة والواقع.
لا داعي بالطبع لاجترار الحديث التقليدي عن التأثيرات المتعددة لتنامي أعداد العمالة الخدمية في المنازل، وربما لا يكون هناك داع كذلك للخوض في الحديث عن دور غياب الوعي في تعميق المشكلة واستفحالها، ولكن من الضروري لفت الانتباه إلى نقاط تبدو مهمة في هذا السياق، أولها غياب أي إحصاءات رسمية حول الرقم الحقيقي للعمالة الخدمية بالمنازل، حيث يتداول بعض الخبراء أرقاما تدور في نطاق يقع ما بين 500 - 650 ألفا، ولكن على الصعيد الرسمي، أقر الدكتور علي عبدالله الكعبي وزير العمل في حوار إذاعي أجراه مؤخرا بأن الوزارة لا تمتلك معلومات محددة حول العمالة المنزلية، مشيرا إلى وجود نحو 15 جهة رسمية تصدر التأشيرات في الدولة منها بالطبع وزارة العمل!!
وإذا كانت شرائح عريضة من المواطنين ترى في الخدم "شرا لابد منه" رغم الشكاوى من مشكلات الهروب المتكرر واستنزاف الجيوب بل وتحريض الشركات للخدم على الهروب لتشجيع "الطلب" بغض النظر عن تغذية سوق العمالة السائبة وضخ مزيد من الفوضى في "التركيبة"، وإذا كانت تسهيلات جلب العمالة الفنية الماهرة تغطى دوما بمبررات مثل تلبية احتياجات المشروعات التنموية وغير ذلك، فإن من الغريب أن تقف الجهات المعنية مكتوفة الأيدي أمام سباق شركات جلب العمالة على "التوريد" من دون حسيب أو رقيب، وأيضا من دون قانون صارم يحدد قواعد جلب وتوظيف هذه الشريحة في الدولة حسب قواعد منظمة ومحددة، وأيضا في ظل وجود بوابة "الاستثناءات" التي تقفز إلى السطح عقب الإعلان عن تنفيذ أي إجراء أو تطبيق قاعدة جديدة في التعامل. ثم إذا كان من الصعب -لاعتبارات عديدة- إنشاء شركة وطنية واحدة متخصصة في جلب العمالة وفق معايير فنية تلبي حاجة كل قطاع عمل على حدة، وبما يوحد المنفذ ويسهل حصر الأعداد، فإن من الغريب أن نتجاهل أيضا فرض رقابة على شركات جلب العمالة التي تخلت عن دورها الحقيقي لمصلحة التخصص والتنافس على جلب الخدم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية