مثلت الانتخابات التي جرت في شهر ديسمبر الماضي تطوراً هائلاً في تاريخ بلادي، كما كانت شهادة على شجاعة شعبها الذي رفض أن ينحني لأي ديكتاتور أو إرهابي. ومع بداية دوران عجلة الديمقراطية في العراق، فإن رغبات أفراد الشعب العراقي بدأت في التبلور تدريجياً كما غدا قادراً على التعرف على ممثليه. لهذه الغاية، يشرفني غاية الشرف أن يتم اختياري لقيادة أول حكومة عراقية منتخبة لفترة ولاية كاملة.
وسيكون التحدي الأول الذي يواجه حكومتي هو إحكام قبضتنا حول عنق الإرهاب الذي ابتلي به بلدنا، والذي دنس اسم الإسلام. وفي الوقت الذي نقوم فيه بتحقيق تقدم طيب في مجال توسيع نطاق وتطوير قوات الأمن العراقية، فإننا ندرك أن الحرب ضد الإرهابيين لا يمكن كسبها بواسطة الوسائل العسكرية وحدها. فمن الأهمية بمكان أن يعمل العراقيون معا من أجل بناء عراق ديمقراطي وحر.
ومنذ أن توليت مهام منصبي، سعيت إلى إقناع جميع الجماعات بالاشتراك في العملية السلمية. لقد رفضت مثلا تهميش السنة العرب بعد مقاطعتهم لانتخابات يناير 2005، وذلك من خلال ضمان أنهم يشكلون ما يزيد عن خُمس أعضاء مجلس الوزراء.
وفي رأيي أن تهميش مجموعة مقتدى الصدر وإبعادها عن مجلس الحكم كان خطأً. فلو كان قد تم إدماج تلك المجموعة في العملية السياسية في ذلك الوقت، قبل أن يقوم الصدر بتكوين "جيش المهدي" بفترة طويلة، لكانت الأحداث في الجنوب قد أخذت منحى مختلفاً. ولقد قمت بإصلاح هذه السياسة، وأدخلت مجموعة الصدر في العملية السياسية. وهذا النهج الإدماجي نتجت عنه مشاركة أعداد هائلة من السكان في الانتخابات التي جرت في ديسمبر الماضي، وظهور برلمان يعبر عن العراق بشكل حقيقي.
وخلال الفترة التي قضيتها كرئيس وزراء منتخب، لم تقم قوات الصدر أبداً بمهاجمة قوات الاحتلال. علاوة على ذلك، فإن الصدر وعدد من زعماء السُنة هم اليوم من العوامل المساعدة في المحافظة على السلام في العراق وذلك من خلال قيامهم بمطالبة أتباعهم بعدم الرد على الاستفزازات الإرهابية التي تهدف إلى تأجيج نيران الحرب الأهلية.
ومن سوء الحظ أننا قد تعرضنا لنكسات خلال السنة الماضية. وكان أشد تلك النكسات إثارة للانزعاج تلك المتعلقة باكتشاف حالات لتعذيب المساجين في أحد سجون وزارة الداخلية في شهر نوفمبر الماضي. وبمجرد علمي بهذه الأفعال الخسيسة قمت بتشكيل لجنة تحقيق مكونة من زعماء السُّنة فقط، وما زلت في انتظار ما ستتوصل إليه تلك اللجنة.
والحل الطويل الأمد لمثل هذه المشكلة سيكون متعدد الجوانب. فيجب علينا مثلاً أن نتأكد أن كافة قوات الأمن تتلقى التدريب السليم، وأن هناك سلسلة قيادة تضم القادة والضباط حتى يمكننا تحديد المسؤولين عن ارتكاب مثل هذه الانتهاكات. علاوة على ذلك فإن المليشيات المختلفة التي حاربت نظام صدام حسين بشرف يجب أن يتم إدماجها الآن في قوات الأمن العراقية دون تركيز مجموعة معينة داخل فرقة واحدة.
في النهاية، نحن في حاجة أيضاً إلى تعزيز وضع القضاء العراقي الذي عانى من سنوات من القهر والفساد، تحت حكم النظام السابق، وذلك من أجل ضمان استقلاله وحياده.
والتحدي الرئيسي الذي ستواجهه حكومتي هو إحياء الاقتصاد العراقي. فالعراق كان قد تم إغراقه من قبل وطيلة عقود بالسياسات "البعثية" الاشتراكية التي جعلت الملايين يعتمدون على ما توزعه عليهم الحكومة. يجب أن نشجع المشروعات ورجال الأعمال مع قيامنا في نفس الوقت بتوفير شبكات أمان كافية للفئات الأقل تمتعا بالمزايا.
وإعادة التأهيل الاقتصادي تتطلب منا إجراء بعض التغييرات الصعبة والتي لن تحظى بقبول جماهيري ومنها على سبيل المثال تخفيض الدعم الحكومي عن الجازولين، وهي السياسة التي بدأتها حكومتي منذ عدة شهور. ومثل هذه الخطوات يمكن القيام بها فقط بواسطة حكومة جماهيرية تحظى بثقة الشعب. وأود أن أبين هنا أن إدارتي تمتلك رأس المال الاقتصادي القادر على إحداث مثل هذه التغييرات.
في الأخير، سأعمل من أجل تأمين واقع العراق الديمقراطي، الليبرالي، الآمن الذي سيكون منارة للحرية في الشرق الأوسط. وهذه ليست مجرد رغبة ولكنها مبدأ جوهري. ونظرا لأنني عشت في لندن معظم سنوات حياتي في المنفى، فإنني أقدر أهمية الحرية، سواء لضمان الديمقراطية أو ضمان التطور الإنساني.
وأنا أشعر بالأمل أنه مع تصميم العراقيين، ودعم القوات متعددة الجنسيات، فإننا سنستطيع هزيمة الإرهابيين، وجعل العراق أول دولة عربية ديمقراطية. وأنا كذلك أومن بالعمل من أجل شرق أوسط مستقر، يسوده السلام، ويخلو من الأسلحة النووية. شرق أوسط لا ينظر فيه للعراق على أنه دولة مارقة كما كان الحال تحت حكم النظام السابق.
إن الطريق أمامنا سيكون شاقاً، ولكن الشعب العراقي أظهر شجاعته وعزمه وتصميمه على السير في هذا الطريق. والعالم بدوره يجب ألا يتردد في دعمنا في مثل هذه المرحلة الحاسمة من تاريخنا.
إبراهيم الجعفري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رئيس وز