هنالك قوى مهتمة ومؤيدة ومحركة للإصلاح والتحديث في المملكة العربية السعودية، أهمها الدولة وشركاؤها من التكنوقراط، مع نخب إصلاحية تجديدية مثقفة متعددة المشارب تتفق غالباً وتتخلف أحياناً مع الدولة، ويتوافق معهم بعض من ممثلي قطاع الأعمال، ولكنها كانت دوماً تعاني من عدم وجود مد شعبي يدعم جهود وأفكار الإصلاح.
ولكن تداعيات الصدمات التي ضربت سوق الأسهم السعودي والتي تلاحقت طوال الشهر الماضي، سترفد الإصلاحيين بقوة جديدة، ذات امتداد شعبي وتمثل كل طوائف المجتمع، إنهم أكثر من 3 ملايين مواطن استثمروا مالهم في سوق الأسهم السعودي ويبحثون حاليا عمن يمثلهم، ويبلور رأيهم في الإصلاح الذي يتوقون إليه. أخيرا يستطيع الإصلاحيون في الحكومة وخارجها أن يجدوا جمهورا يفهمهم ويتفاعل معهم.
قد يبدو الإصلاح الذي يرومه هؤلاء "مصلحياً" لحماية استثماراتهم الشخصية، ولكنه في الحقيقة لا يختلف كثيرا عما "ترطن" به النخب المثقفة، والحكومة والإصلاحيون فيها منذ عدة سنوات. إنه الانفتاح والإصلاح الاقتصادي والاجتماعي المؤدي إلى ضخ وبقاء ونمو مزيد من الاستثمارات في السوق، الكفيل برفع سعر الأسهم حقيقةً لا مضاربة، وهو علاج البيروقراطية المعرقلة للنمو الاقتصادي، والاعتماد على قطاع الأعمال الموفر للوظائف والفرص وليس الحكومة التي لا يؤدي التضخم الوظيفي فيها إلى غير تضخم آخر في السوق يضر بالجميع. وهو علاقات خارجية أفضل نجلب بها مزيدا من الاستثمارات للسوق المحلي وتعزز الشعور بالاطمئنان والأمان للأجنبي والمواطن، وبها أيضا نفتح أسواقاً مجاورة لرأس المال السعودي وشركاتنا المساهمة المنتجة، يعزز كل ذلك بقوانين تضمن الشفافية التي تعطي الحق لصغار المستثمرين قبل كبارهم للحصول على المعلومة وتحليلها ومناقشتها مع إدارة شركاتهم والمسؤولين في حكومتهم. الخطوة التالية هي المطالبة بتشريعات تسمح لهم بالتدقيق ومحاسبة هؤلاء. وأخيرا بيئة قضائية أفضل، سريعة، مدركة للحقوق الأساسية للمواطن والمستثمر، غير انتقائية، تتمتع بنظرة اجتهادية سمحة تمكنها أن تكون مرجعية لكافة الأنشطة التجارية.
هل تختلف مطالب معلم أو متقاعد خسر عشرة آلاف ريال في السوق الأسبوع الماضي عن مطالب ورؤى أي إصلاحي دبجها في عريضة، أو حتى حكومي عرضها على 500 صفحة في خطة خمسية للتنمية، إنه نفس الشيء، الجميع يريد حياة أفضل، الحق في السعادة والرخاء والأمان.
إن ما حصل خلال الأسابيع الماضية القلقة في سوق الأسهم السعودي من تدهور حاد جعل أفئدة 3 ملايين سعودي وعوائلهم ضيقة حرجة، وما تبع ذلك من تدخل حازم للقيادة، بدعم من قطاع الأعمال، أعاد سريعا الثقة والاطمئنان للسوق، ما يشير إلى حقيقيتين، الأولى قوة الدولة، وأنها اللاعب الأول والمؤثر في البلاد، ثم مرجعية القيادة والثقة فيها، ما يعني أنها تستطيع أن تفعل الكثير. بل إن المواطن عندما تدلهمُّ به الظروف لا ينظر إلى غيرها، لا يتوقف أمام تلك الظواهر الصوتية التي تدعي شعبية أو تزعم حكمة هادية إلى الرشاد، إنه يعرف من الذي يملك القوة والرؤية والاستطاعة، إنها حالة تتميز بها القيادة السعودية، فهي الحكومة، وهي الدولة، وهي الزعيم السياسي وهي الحزب الموجه، ولكنها ليست مستبدة، منغلقة، بل تتواصل مع الجميع تسمع منهم وتفكر وتقلب الاختيارات ثم تفعل، إنها تعقِلها ثم تتوكّل. إنه وضع مريح لأية حكومة لديها خطة للإصلاح إذ ستضمن التأييد والمشاركة من الغالبية التي تريد حياة أفضل، فتعمل معها بصدق لإنجاح المشروع.
الحقيقة الثانية أن هؤلاء الملايين من المستثمرين في السوق السعودي من حقهم الآن أن يرفعوا شعار "لا ضرائب بدون تمثيل" وهو الشعار الذي رفعه الوطنيون الأميركيون ضد الإنجليز قبل استقلال الولايات المتحدة، والذين كانوا يجمعون منهم الضرائب دون أن يتمتعوا بحق التمثيل والمشاركة في صنع القرار. ضرائب هؤلاء السعوديين هي ثقتهم التي أودعوها سوقهم الوطني. قبل شهر لم يكن ما يجري خلف السوق يهمهم، فالجميع رابح والسوق رائجة، لقد وثقوا في اقتصاد وطنهم، فدخلوا السوق زرافات ووحدانا، بعضهم غامر عندما استثمر بالدَّيْن ودخل سوقا يعلم أنه "سوق" معرض للربح والخسارة، كان يسمع عن الهوامير والمتلاعبين والمضاربين، ولم يهتم، طالما أن بعضا من الربح يصله، ولكن الأمر اختلف اليوم بعدما أصبح السوق "حقيقياً" يخسر الناس فيه مثلما يكسبون.
يجب أن يعترف المسؤولون عن سوق المال أن سوقهم لم تكن في حالة "شفافية" كاملة، فالناظر في الصحف السعودية يجد أن القليل من المعلومات يسرب إليها حول التشريعات المقترحة لضبط وربط السوق، في الوقت الذي تهم هذه التشريعات ملايين المواطنين. قليل من الأخبار عن أحوال الشركات المستثمر فيها كان ينشر، وقليل من الصحفيين كان يلح ويتحرى، واللوم هنا بقدر ما يوجه إلى الشركات التي أغلقت أبوابها ودفاترها رغم أنها شركات مساهمة "عامة" فإن اللوم يوجه للصحافة التي لم تلعب دورها المفترض.
رئيس هيئة سوق المال كان شحيحاً في ال