لفترة طويلة شكلت قرارات الرئيسين جيرالد فورد وجيمي كارتر منذ حوالى 30 عاماً الإطار المرجعي لسياسة الولايات المتحدة تجاه الوقود المشع الذي تخلفه المفاعلات النووية. وتقوم هذه السياسة على التخلي عن إعادة معالجة الوقود المستعمل، وهي تكنولوجيا تم تطويرها بغرض فصل البلوتونيوم من أجل استعماله في صنع الأسلحة النووية. وكانت تعلل هذه القرارات بارتفاع تكلفة إعادة المعالجة وأخطار الانتشار التي قد تطرحها الكميات الكبيرة من البلوتونيوم المفصول في برامج الطاقة النووية المدنية عبر العالم.
وهكذا ألزمت قرارات الرئيسين الولايات المتحدة بالتخلص المباشر من الوقود المشع في مخزن جيولوجي تم إنشاؤه خصيصاً لهذا الغرض. ووقع اختيار الكونغرس على "يوكا ماونتن" في ولاية نيفادا على مقربة من الموقع الذي يتم فيه تجريب الأسلحة النووية ليكون مكانا لإنشاء هذا المخزن. ولما كان الوقود المستعمل يحتوي على كميات مهمة من البلوتونيوم، ونظراً لأن إدارة الوقود النووي المستعمل تقتضي التزاماً طويل الأمد، قرر الكونغرس أن تتولى الحكومة أمر الوقود المشع وتتحمل مسؤولية نقله والإشراف عليه.
الآن وبعد عقود من "الانطلاقات الخاطئة" والمكلفة، وبالنظر إلى المصير المجهول الذي ينتظر "يوكا ماونتن"، يبحث الكونغرس وإدارة بوش، كما تناقلت ذلك وسائل الإعلام مؤخرا، إمكانية تغيير هذه السياسة. بيد أن هذا التغيير في حالة حدوثه وبالرغم من النوايا الحسنة، قد يعقد مسألة التخلص من النفايات المشعة أكثر ويزيد قلق الرأي العام إزاء خطر إنشاء مفاعلات جديدة لتوليد الطاقة النووية.
نتفق مع الرأي القائل بضرورة مراجعة هذه السياسة لعدة أسباب، أولاً: أن ارتفاع تكلفة الغاز الطبيعي والقلق المتنامي حيال ظاهرة الاحتباس الحراري أعادا الاهتمام بالطاقة النووية من جديد، وهكذا فلعل إحدى أبرز طرق مواجهة هذه الظاهرة تتمثل في إنشاء مفاعلات نووية جديدة تتبنى التصاميم التي تراعي إجراءات الأمان والسلامة. غير أن إنشاء مفاعلات جديدة لتوليد الطاقة النووية، إضافة إلى تمديد تراخيص المفاعلات الحالية، سيؤدي إلى إنتاج المزيد من الوقود المستعمل، وربما بكميات تفوق طاقة مخزن "يوكا ماونتن"، بل حتى وإن تمت مضاعفة طاقته الاستيعابية، الأمر الذي سيطرح على الكونغرس عبئا جديدا يتمثل في تحديد موقع آخر لاستقبال النفايات النووية.
ثانياً: يجهل ما إذا كان "يوكا ماونتن" سيحصل على ترخيص اللجنة النووية المنظمة، حيث تم اكتشاف الماء مؤخرا في الموقع بكميات أكبر مما كان يتوقع، وذلك بعد إنفاق مليارات الدولارات على الدراسات والتطوير. صحيح أن مشروع "يوكا ماونتن" لم يمت، ولكنه بات قريباً من الموت إذا ما استمرت الأمور على ما هي عليه.
ثالثا: نظراً لعدم التقيد بالجدول الزمني الموضوع، فشلت الحكومة الفيدرالية في الشروع في قبول الوقود المستعمل القادم من مواقع المفاعلات في 1998، وهو ما أدى إلى طرح قضايا أمام المحاكم، قد تنتهي بفرض عقوبات مالية مهمة على الحكومة، ما قد يؤدي بالتالي إلى تقويض فرص إنشاء ومنح التراخيص لبناء مفاعلات جديدة.
الأكيد أن قرارا أميركياً بمعالجة البلوتونيوم من أجل إعادة استعماله سيؤثر على هذه الجهود، فثمة ارتباط واضح ما بين إدارة الوقود المستعمل والمخاوف المتعلقة بالانتشار النووي. وبالتالي ففي حال تم نقل العناصر التي تعيش طويلاً مثل البلوتونيوم مع الوقود المستعمل إلى أحد المخازن، فسينتج عن ذلك ارتفاع الحرارة التي ستشكل بمرور السنين تهديدا لسلامة المخزن. أما في حال إزالتها من الوقود المستعمل عبر إعادة معالجتها، فإن ذلك سيؤدي بالمقابل إلى طرح خطر الانتشار النووي.
ماذا علينا أن نفعل إذن؟ أولاً: ينبغي على الحكومة أن تتولى أمر الإشراف على الوقود المستعمل المخزن في المفاعلات التجارية المنتشرة عبر أرجاء البلاد وتجميعه في موقع فيدرالي واحد أو أكثر إلى حين بلورة طريقة أفضل للتخلص من هذه المواد، مع ضرورة التقيد الصارم بإجراءات الأمان والسلامة في عمليات الجمع هذه. كما ينبغي أن يشمل هذا التخزين لفترات مطولة ضمن استراتيجية مناسبة للتخلص من هذه النفايات، وهو ما سيزيل بالتالي عن الحكومة والشركات ضغط البحث عن حلول سريعة للتخلص من هذه المواد.
ثانيا: على الرئيس مواصلة جهوده الدبلوماسية حتى تقوم البلدان المنتجة كفرنسا وبريطانيا وروسيا والولايات المتحدة بتزويد الدول التي لها برامج صغيرة للطاقة النووية بالوقود الجديد (وإزالة الوقود المستعمل)، إن هي وافقت على التخلي عن عمليات معالجة الوقود المكلفة والخطرة على حد سواء.
ثالثا: لا ينبغي التخلي عن مخزن "يوكا ماونتن"، بل على وزارة الطاقة الأميركية أن تعيد تقييم أغراض استعماله تحت ظروف مختلفة، وتقوم بتعديل البرنامج الزمني للمشروع وفق ذلك.
رابعاً: كانت الإدارة على صواب حين قررت دراسة إمكانية إنشاء برنامج لبحث الأفكار والمقترحات الرامية لمواجهة التحديات التي تطرحها الإدارة طويلة الأمد