في أقل من فترة أسبوع واحد، تبلورت قسمات للمشهدين الفلسطيني والإسرائيلي، تستحق التأمل. في البداية شهدنا عملية الاجتياح العسكري الإسرائيلي لسجن "أريحا" بعد انسحاب المراقبين الأميركيين والبريطانيين بدقائق، واختطاف الأمين العام لـ"الجبهة الشعبية" أحمد سعدات. مع هذا الحدث اضطر الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى قطع زيارته الأوروبية، وعاد ليعلن أن العملية الإسرائيلية بمثابة جريمة دولية، وأنحى باللائمة على الأميركيين والبريطانيين الذين لم يخطروه بموعد سحب مراقبيهم من السجن. ما يستحق التأمل في هذا الحدث عدة أمور، الأول: أن الجريمة وقعت قبل أقل من أسبوعين من إجراء الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية المقررة في الثامن والعشرين من مارس الحالي. إن نمط السلوك واختيار التوقيت قد أعادا إلى الأذهان عملية قصف المفاعل النووي العراقي بأمر مباشر من رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن في وقت قريب من الانتخابات الإسرائيلية، كما أعاد إلى الذاكرة مذبحة "قانا" التي أمر بها رئيس الوزراء شمعون بيريز. وبما أن الأول كان زعيماً لحزب "الليكود" اليميني، والثاني كان زعيماً لحزب "العمل" اليساري في وقت قريب من الانتخابات، فإن من البديهي أن يستنتج المراقبون من عملية أريحا أن الدم العربي المهدور أو المنشآت العربية المهدمة أو الشخصيات العربية المختطفة، تمثل جميعاً عملة غالية في سوق الانتخابات الإسرائيلية، يشتري بها الزعماء الإسرائيليون أصوات جماهير معينة التوجه. هذه المرة نلاحظ أن زعيم "كاديما" إيهود أولمرت مصنف باعتباره زعيم "الوسط" السياسي، بما يعني أن قاعدة شراء أصوات الناخبين باستخدام القوة العسكرية ضد العرب لا تستثني "يميناً" أو يساراً أو وسطاً في الساحة الإسرائيلية.
الأمر الثاني الذي يستحق التأمل، هو أن استطلاعات الرأي التي أجريت في إسرائيل بعد يوم واحد من العملية، قد أسفرت عن نجاح هذه العملية العسكرية في شراء أصوات لحزب "كاديما". فلقد كشف استطلاع "يديعوت أحرونوت" عن أن التدهور في شعبية الحزب والذي سجلته استطلاعات الأسابيع السابقة قد توقف.
كان الحزب قد حصل في الأسبوع الماضي على سبعة وثلاثين مقعداً، وكان ضغط حزب "الليكود" وزعيمه بنيامين نتنياهو قد حقق نجاحاً في الحدّ من شعبية "كاديما" من خلال القول إن أولمرت سياسي ضعيف في مواجهة حكومة "حماس" المرتقبة.
وبعد عملية أريحا ارتفعت شعبية "كاديما" إلى تسعة وثلاثين مقعداً بعد أن أثبت زعيمه أنه قادر على السلوك العدواني المطلوب ضد العرب. هذا في حين حصل حزب "الليكود" في الاستطلاع على خمسة عشر مقعداً فقط واحتفظ حزب "العمل" بمعدله الذي يدور حوله، تسعة عشر مقعداً.
الأمر الثالث الذي يستحق التأمل، هو الموقف الأميركي- البريطاني المشترك، الذي أشار إليه صراحة الرئيس محمود عباس، عندما بيَّن أن الاجتياح الإسرائيلي لسجن "أريحا" قد وقع بعد عشر دقائق فقط من مغادرة المراقبين الدوليين. فهل يعني هذا الترتيب والتواطؤ المسبق أن أولمرت قد حصل على تأييد انتخابي من الدولتين وأنه المرشح المفضل عندهما وخاصة أنهما تعلمان ما نعلمه من أن مثل هذه الجريمة سترفع أسهم "كاديما" الانتخابية؟ وإذا صح هذا الاستنتاج فهل يمكن أن نستنتج أيضاً أن مشروع أولمرت للانسحاب أحادي الجانب، لترسيم الحدود النهائية على هواه، يلقى بدوره دعماً من الدولتين؟ هذا ما ستفصح عنه الشهور المقبلة.