يستعد الناخبون والأحزاب السياسية الخمسة عشر في إسرائيل لانتخابات الثامن والعشرين من مارس في ظل الظروف الجديدة التي طبعت الساحة السياسية الإسرائيلية خلال الأشهر الثمانية الماضية، والمقصود هنا تأسيس حزب "كاديما" الذي يعني "إلى الأمام" والذي تم تدشينه في شهر نوفمبر الماضي. ولعل ما يميز برنامج الحزب الجديد هو تغاضيه عن ثمان وخمسين سنة من الالتزام الإسرائيلي بمفاوضات السلام مع جيرانها، وسعيه إلى إقناع الناخبين بأنه في حال وصول "كاديما" إلى السلطة، فإنه مستعد وقادر على رسم حدود إسرائيل بشكل أحادي الجانب. وفي هذا السياق يأتي إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بالنيابة إيهود أولمرت في الثامن من مارس الجاري، والذي أعلن فيه عن نيته "فك ارتباط إسرائيل مع الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين داخل حدود جديدة" بحلول 2010، مضيفا بأن هذه الحدود الدائمة ستكون قريبة من خط الجدار العازل في الضفة الغربية مع بعض التعديلات التي ستقررها إسرائيل بمفردها.
واللافت أن هذه السياسة أحادية الجانب تروق للناخبين الذين أصيبوا منذ أواخر 2000 بالإحباط وخيبة الأمل إزاء فكرة التفاوض على حل سلمي مع الفلسطينيين. وفي هذا السياق، تقول المعلقة "أكيفا إيلدار": "لقد اتخذت جميع الأحزاب في الانتخابات السابقة مواقف قوية إزاء قضية السلام، ولكن الناخبين هذه المرة لا يبحثون عن السلام، وإنما عن الهدوء والسكينة".
والواقع أن السياسة أحادية الجانب التي يتبناها حزب "كاديما" تستند إلى نجاح الخطوة التي قام بها في الصيف الماضي رئيس الوزراء المريض أرييل شارون، وذلك حين قررت حكومته سحب الجيش الإسرائيلي والمستوطنين من قطاع غزة بشكل أحادي، وهو النجاح الذي بدد أسطورة القوة التي تتمتع بها شبكات المستوطنين المنظمة جيداً في البلاد. يقول المحلل الاستراتيجي "يوسي ألفار" "لقد صار بإمكان "أولمرت" اليوم سحب المستوطنين من المستوطنات الصغيرة والمعزولة في الضفة الغربية بدون صعوبة كبيرة". ويتفق "ألفار"، ومحللون آخرون أيضاً، على أن العامل المهم الآخر الذي يفسر هذه السياسة أحادية الجانب هو الشعور السائد في إسرائيل حالياً بأنه "لا يوجد أحد للتفاوض معه" من الجانب الفلسطيني، والحقيقة أن فوز "حماس" في الانتخابات الفلسطينية الأخيرة لم يزد هذا الشعور إلا قوة وانتشاراً.
وإلى ذلك، أظهر أحد استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخراً مدى الأذى الذي ألحقه تأسيس "كاديما" بالحزبين الرئيسيين التقليديين بالبلاد، وخصوصاً بالنسبة لحزب شارون وأولمرت السابق أي "الليكود". فحسب نتائج استطلاع الرأي هذا، من المرجح أن يفوز حزب "كاديما" بـ37 مقعدا من مقاعد الكنيست المئة والعشرين، في حين يتوقع أن ينخفض تمثيل "الليكود" في البرلمان من 40 مقعداً إلى 17 مقعداً. (أما حزب العمل فيتوقع أن ينخفض تمثيله من 22 مقعدا إلى 19 مقعدا).
والأكيد أن الكثير من الأمور قد تتغير من اليوم إلى حين موعد إجراء الانتخابات، إلا أن حزب "كاديما" يبدو عاقداً العزم على تحقيق الفوز في استحقاق الثامن والعشرين من مارس، يسانده في ذلك دعم عدد كبير من الناخبين لفكرة إدارة ظهرهم للفلسطينيين وعدم الاكتراث لأمر المفاوضات.
والواقع أن الحدود التي يعتزم إيهود أولمرت رسمها تضم أراضي أصغر مما يطمح إليه "اليمين" الإسرائيلي، إلا أن خليفة شارون أعلن عن نيته الاحتفاظ بالمستوطنات الرئيسية المحيطة بالقدس، وفي أماكن أخرى بالضفة الغربية، مثل مستوطنة "معالي أدوميم" التي سيترتب على ربطها بالمستوطنات المحيطة بالقدس تقسيم الضفة الغربية إلى شطرين. كما يعتزم "أولمرت" الاحتفاظ كذلك بالأراضي الزراعية الخصبة القريبة من نهر الأردن. إلا أن الأكيد هو أن أي زعيم فلسطيني لن يقبل بهذا الأمر.
هذا ويستند مفهوم العمل أحادي الجانب في الضفة الغربية إلى الشعبية التي يحظى بها "الجدار الفاصل" في إسرائيل، والذي يتوغل عميقا في أراضي الضفة الغربية، محافظاً بذلك على ارتباط الكتل الاستيطانية الكبيرة بإسرائيل، ومحاصرا المدن والبلدات والقرى الفلسطينية. ومن جهة أخرى، يرى بعض المراقبين بأن وعود "أولمرت" بتحويل هذا الجدار إلى حدود دائمة هي موجه بالأساس إلى الإسرائيليين من أصل روسي، والذين يشكلون 20 في المئة من السكان، والذين يقال عنهم إنهم يفضلون الوضوح في برامج زعمائهم بدلا من الغموض الذي يعيش فيه الكثير من الإسرائيليين. والحقيقة أن أهمية الأصوات الروسية في إسرائيل تتضح بجلاء في إقدام جميع الأحزاب الإسرائيلية تقريبا على إعداد مناشير ومواد انتخابية باللغة الروسية إضافة إلى العبرية، وتقديم العديد من البرامج التلفزيونية المخصصة للأحزاب في إطار الحملة الانتخابية بالترجمة الروسية.
هذا ويلاحظ المراقبون أن "أولمرت" مازال يُلمح بالموافقة على فكرة المفاوضات، متعهداً بمنح الحكومة الفلسطينية الجديدة فرصة أخيرة للاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف، إلا أن حظوظ حدوث ذلك تظل ضئيلة. كما أن جل المؤشرات تحمل على الاعتقاد أنه سيمضي قدماً في