عقد في مدينة أبوظبي عاصمة الإمارات العربية المتحدة، في الفترة بين 12 و14 مارس 2006، المؤتمر السنوي الحادي عشر لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، تحت عنوان "التحولات الراهنة ودورها المحتمل في إحداث التغيير في العالم العربي". المؤتمر الذي شارك فيه نخبة من المفكرين والأكاديميين والسياسيين، العرب والأجانب، نوقشت فيه عدة محاور. ففي اليوم الأول نوقشت التطورات السياسية في الوطن العربي وطبيعة الإصلاحات في السياسات العربية المعاصرة. ونوقشت التجربة التركية مع الحداثة والتحولات السياسية. أما اليوم الثاني فنوقش فيه دور المنظمات والمؤسسات في السياسات العربية، كما نوقشت الديمقراطية في العالم العربي ودور الضغوط الخارجية في تشجيع الإصلاح النابع من الداخل. واستعرض الدكتور عدنان الباجة جي تجربة العراق كمثال على انتشار الديمقراطية، ونوقش تأثير الإرهاب في المجتمعات العربية. أما اليوم الثالث فخصص لمعالجة التعليم كأساس للتغيير في العالم العربي.
لا يمكن استعراض محتوى 15 ورقة بحثية تتناول الأبعاد المختلفة التي تم طرحها خلال الندوة، وقد توقعت أن يعالج وزير الدفاع الأميركي السابق وليام كوهين، بورقته المعنونة "الزعامات الجديدة والمستقبلية... انعكاساتها على التغيير"، التغييرات في الوطن العربي خاصة أن العديد من القيادات السياسية قد تغيرت في الوطن العربي والخليج خلال الأعوام الماضية. الوزير الأميركي السابق وضع إطاراً نظرياً أكد فيه أن عالمنا المعاصر يتغير بسرعة بسبب تطور المعلوماتية، فعلينا منذ البداية تحديد الهدف. وأكد أن الحصول على المعلومات من كل أرجاء المعمورة أصبح أمراً سهلاً، وأن هنالك تداخلا بين المعلوماتية والإرهاب. وتساءل: كيف يمكن محاربة الإرهاب العالمي وإرهاب الدول، خصوصاً أن الإرهابيين يحصلون على المعلومات كسائر الحكومات؟ وأكد على أهمية تبادل المعلومات بين الدول الصديقة والحليفة لمحاربة الإرهاب. كما تحدث عن أهمية الطاقة وتنوعها، وتساءل: كيف يمكن مواجهة الأمراض التي تهدد البشرية كلها؟
المحاضر الثاني كان الدكتور برهان غليون، الأستاذ بجامعة السوربون الفرنسية، وكانت محاضرته بعنوان "إشكالية الإصلاح في الوطن العربي"، وتساءل في بدايتها: لماذا يشكل الإصلاح مشكلة في الوطن العربي؟ ولماذا يثير كل هذه الحساسيات؟ بينما كل دول العالم ترحب بالإصلاح وتريده؟ وبعدما عرف مفهومه الخاص للإصلاح، وهو إطلاق الحيوية في المجتمع... وأكد بأن معضلة الإصلاح قديمة بدأت منذ الحرب العالمية الأولى مع الثورة العربية، لكن لم يكن هنالك إصلاح بعد الثورة. خلال المرحلة القومية منذ الخمسينيات وحتى هزيمة 1967، استمرت الأنظمة كما هي رغم كل الهزائم.
في التسعينيات دخلنا عصر الحركات الإسلامية، وقُتل الآلاف في الوطن العربي، ولكن لم يحدث شيء ولم يتغير شيء، رغم حديثنا المطول عن الإصلاح. ما حصل هو زيادة القمع والقتل ضد الحركات الإسلامية، ولم يحصل شيء سوى انغلاق الأنظمة أكثر من السابق.
الأزمة الثالثة حدثت عام 2001 نتيجة أحداث 11 سبتمبر الإرهابية... حيث فتحت عيون الغرب على أهمية الإصلاح في الوطن العربي، ظهرت عدة مشاريع غربية للإصلاح أولها المبادرة الأميركية وبعدها المبادرة الأوروبية والمبادرات العربية وعقدت الندوات في كل أرجاء الوطن العربي، لكن اليوم في عام 2006 أجهضت كل مشاريع الإصلاح... لذلك فالسؤال هو: لماذا وإلى متى؟ غليون أكد على وجود نوعين من الإصلاح؛ إصلاح جزئي لا يمس جوهر النظام السياسي والاجتماعي، أما الإصلاح المطلوب فليس تحسين النظام بل إعادة النظر فيه. التغيير يجب أن يكون شمولياً-تعددياً من النظام الاشتراكي إلى النظام التعددي- الرأسمالي التنافسي. وقال المحاضر إنه لا مجال لتغيير الأنظمة، فالمطلوب قيام دولة القانون بدلاً من دولة العسف، مؤكدا على أهمية المشاركة السياسية وإنهاء الأنظمة المغلقة التي تحتكر السلطة والعلم والثقافة والمال.
كنت أتمنى أن تخصص مجموعة خليجية لمناقشة التغيرات في كل من قطر والبحرين والسعودية والكويت، فالقيادات الجديدة جاءت مع قضية الإصلاح... هل من الممكن لدول المجلس وضع تصورات وخطوات ورؤية واضحة للإصلاح في بلدانها؟ هل يوجد تناغم بين دول الخليج فيما يتعلق بالإصلاحات في البلدان الخليجية؟ المعروف أنه إذا تناغمت واتحدت الإصلاحات يمكن ردم الخلافات بين دول "التعاون" الخليجي، وعلينا أن نسأل: هل دول الخليج جادة في قضية الإصلاح الشامل في بلدانها؟!