ليس لوزيرستان من اسمها نصيب، إلا إذا افترضنا أن المقصود هو الإيحاء بأن هذه الأرض الممتدة على مساحة 11.5 ألف كيلومتر مربع في شمال غرب باكستان مثلها مثل ممتلكات الوزراء محرمة على الآخرين. فبالمعنى الأخير، هي كانت كذلك على مر العصور، منطقة عصية على كل الغزاة ابتداء من أباطرة المغول ثم ملوك "السيخ"، فجيوش الهند البريطانية.
ولئن لعب العامل الجغرافي المتمثل في الطبيعة الجبلية الوعرة لوزيرستان دوراً في هزيمة الغزاة ودحرهم، فإن العامل الأكثر أهمية كان شراسة أهلها من القبائل البشتونية المحافظة وتعصبهم القومي والديني ودفاعهم المستميت عن خصوصياتهم ونزوعهم نحو الاستقلالية والعزلة. وقد أدرك محمد علي جناح هذه الحقيقة وقت شروعه في تأسيس باكستان، فلم يسع إلى فرض هيبة الدولة وقوانينها على المنطقة، وإنما ترك لزعاماتها القبلية التقليدية تصريف أمورها باستقلالية عن المركز مقابل الالتحاق الاسمي بدولته، مرسخاً بذلك الوضع الذي كان سائداً زمن الاستعمار البريطاني. بل إن "جناح" وظف الحمية الدينية لقبائل المنطقة وبسالة أبنائها في أولى الأزمات التي نجمت عن تقسيم شبه القارة الهندية، فكانت قبائل وزيرستان رأس الحربة في حرب باكستان الأولى للسيطرة على كشمير في عام 1947. وهو ما تكرر في الثمانينيات على يد زعيم باكستان الأسبق ضياء الحق أثناء حرب الجهاد ضد السوفييت في أفغانستان.
وقد حافظت الحكومات الباكستانية المتعاقبة على ما سنه "جناح"، محاولة على الدوام تجنب التدخل المباشر في شؤون وزيرستان، مع بناء نفوذ لها في أوساط قبائلها عن طريق المال والصفقات والهبات. أما قبائل المنطقة فلعبت من جانبها أدوارا مزدوجة تصب كلها في مصلحتها الذاتية، على نحو ما فعلته زمن الهند البريطانية حينما كان رجالها يعملون نهاراً بأجر مع المستعمر في شق طرق المواصلات، ويلجأون ليلاً إلى اصطياد جنوده وتخريب منشآته.
ويبدو أن كل هذه الحقائق كانت ماثلة أمام بقايا نظام "طالبان" المدحور ورموز تنظيم "القاعدة" يوم أن انهارت دولتهم وقواعدهم في أفغانستان في أكتوبر 2001، فكان قرارهم اللجوء إلى كهوف وزيرستان وجبالها قراراً مثالياً. ففي الأخيرة الوعرة والبعيدة عن هيمنة إسلام آباد لا يضمنون فقط صعوبة وصول خصومهم إليهم، وإنما يضمنون أيضا الحماية الشعبية من منطلقات عرقية أو دينية، ناهيك عن سهولة إعادة بناء كوادرهم الإرهابية فيها، والتخطيط لعمليات مضادة ضد النظام الجديد في كابول وقوات التحالف الغربي عبر الحدود الملاصقة. فالمنطقة تشكل منذ حقبة الجهاد الأفغاني مستودعاً هائلاً للأسلحة المختلفة المعروضة للبيع في الهواء، وبها أموال كثيرة متأتية من زراعة المخدرات وبيعها، وفيها عشرات الآلاف من اللاجئين الأفغان ممن يمكن استثارة حميتهم الدينية والإثنية للالتحاق بالجهاد ضد نظام كابول والغرب.
من جانبها، أدركت واشنطن هذا المخطط، ولا سيما بعد أن تزايدت حوادث العنف المسلح ضد قواتها وقوات الحكومة الأفغانية انطلاقاً من وزيرستان، ناهيك عن ورود معلومات استخباراتية تفيد بتواجد بعض الإرهابيين المطلوبين من الجماعات الشيشانية والأوزبكية المتطرفة هناك أيضاً. وقد تمثل الرد الأميركي في الرهان على استراتيجية جديدة مفادها تضييق الخناق على وزيرستان من جانبي الحدود بواسطة عمليات تشارك فيها قوات التحالف من الغرب وقوات الجيش الباكستاني من الشرق. وكان شروع إسلام أباد منذ عام 2002 ببناء قواعد عسكرية في وزيرستان، ثم استخدامها في عمليات عسكرية منذ عام 2004، منسجماً مع هذه الاستراتيجية، وإيذانا بانتهاء عهد طويل من غياب سلطتها الفعلية عن المنطقة.غير أن هناك الكثير من الشواهد على أن القوات الباكستانية فشلت حتى الآن في حسم الأمور لصالحها رغم كل ما يقال عن جاهزيتها وكفاءتها العالية، بل تسببت في حدوث مآزق جديدة.
في الأسباب، وبعيداً عن ما ذكرناه آنفاً حول الطبيعة الجغرافية القاسية للمنطقة وما جبل عليه أهلها تاريخياً من استبسال في مواجهة أي تدخل في شؤونهم سواء من المركز أو من الخارج، هناك العوامل الداخلية المعاكسة إجمالاً لتوجهات وسياسات نظام الجنرال برويز مشرف. فالأحزاب الإسلامية والعلمانية المعارضة للنظام تبدو رغم اختلاف توجهاتها متحالفة ضد أي قرارت للحكومة، ومن ضمنها قرار بسط السلطة على وزيرستان وتنظيفها من الميليشيات الأجنبية والجماعات الإرهابية، الذي يرى فيه الكثيرون رضوخاً لضغوط خارجية من الغرب دون مقابل واضح. وهذا بطبيعة الحال حال دون تشكل إجماع شعبي حول الدور الجديد للجيش في وزيرستان، رغم نداءات مشرف المتكررة بأن مستقبل البلاد وأمنها يقتضيان التكاتف ضد أية جماعات متطرفة عاملة فوق الأراضي الباكستانية. ومن ناحية أخرى، فإن هشاشة الوضع الداخلي للنظام حال دون مباشرة قواته لعمليات عسكرية مشتركة ومنظمة مع قوات التحالف على الجانب الآخر من الحدود المشتركة مع أفغانستان لوضع وزيرستان بين فكي كماشة حقيقية. ولعل أوضح دليل على هذا الشق هو أن إسلام