أعلن مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنه ليس في وضع يمكنه من القول القاطع إن طهران قد كشفت عن كافة أنشطتها وبرامجها النووية. وما ذلك الإعلان سوى طريقة دبلوماسية ذكية للإشارة إلى أن طهران لم تلتزم بما نصت عليه معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية, وأن ملفها سيحال إلى مجلس الأمن الدولي للنظر فيه. وفي هذا ما يثير الأسئلة عن طبيعة العقوبات التي يمكن أن يفرضها مجلس الأمن الدولي عليها, وعن ردود الفعل المتوقعة عليها من قبل الجمهورية الإسلامية. هذا وكان قد سبق للرئيس محمود أحمدي نجاد أن صرح قائلاً إن الغرب أضعف من أن يفرض على بلاده أية عقوبات, وأن الغرب هو من يحتاج لإيران وليس العكس, ولذلك فهو الأكثر تضرراً فيما لو فعل.
وعلى المدى القريب ففي وسع إيران توظيف عائداتها النفطية الضخمة للتخفيف من وطأة العقوبات الدولية التي ربما تفرض عليها. وعن طريق خفضها لإنتاجها النفطي, تستطيع إيران رفع أسعار النفط العالمي مباشرة. ومن شأن خطوة كهذه أن تلقي بتأثيرات خطيرة على الاقتصاد العالمي برمته, لا سيما بالنسبة للدول الصناعية مثل الولايات المتحدة الأميركية, التي تتسم اقتصاداتها بدرجة عالية من الحساسية إزاء التغيرات قصيرة المدى في أسعار النفط العالمي.
ويتردد مجلس الأمن القومي من ناحيته في فرض أي عقوبات اقتصادية على إيران, ريثما يستوثق من إعطائها الفرصة الكافية للاستجابة لما أثير حول ملفها النووي. وبسبب الشعور بأن هناك مزيداً من الحوار سيجرى حول هذه الأزمة, فقد نشأ اعتقاد لدى النظام الإيراني, بأنه كلما طال أمد التسويف والمماطلات, كلما قل احتمال مواجهتهم لجبهة دولية متحدة ومؤيدة لفرض العقوبات على بلادهم. والمعروف حتى الآن أن الصين وروسيا لا يفضلان قرار فرض العقوبات, وإلى جانبهما عدة دول كبيرة ومؤثرة أخرى مثل البرازيل وجنوب إفريقيا وماليزيا, ربما تشاطرها الرأي والموقف ذاته.
ولكن الذي لم يحسب له هذا النظام حساباً, أنه وكلما تمادت إيران في استراتيجية التسويف والمماطلة هذه, كلما أمكن لأجهزة ووكالات المخابرات الغربية, وضع يدها على أدلة تكشف أن لها برامج وأنشطة نووية سرية, وأن تلك البرامج قد قطعت شوطاً بعيداً باتجاه تطوير الأسلحة النووية. وفيما لو تم العثور على دليل كهذا, فإن من الأفضل ألا تكون وكالة المخابرات المركزية الأميركية, هي من توصل إليه, بالنظر إلى سمعة أداء تلك الوكالة في توفير المبررات والأدلة التي شن بموجبها الغزو الأخير على العراق. والمتوقع حدوثه في حال استباق الـ"سي. آي. إيه" العثور على تلك الأدلة, هو تعنت المناوئين لقرار فرض العقوبات, في موافقتهم على فرض أي عقوبات على طهران.
وعلى الرغم من أن ردة الفعل الطبيعية المتوقعة من نظام طهران- في حال فرض العقوبات الدولية عليه- هي البدء بنبرة تحد واضحة للقرارات الدولية, إلا أن المؤكد هو أن أضعف وأخف العقوبات ستكون موجعة ومؤلمة لإيران. ذلك أن السبيل الوحيد لنجاح النمو الاقتصادي بعيد المدى لطهران, إنما يكمن في قدرتها على جذب مبالغ طائلة من الأموال الأجنبية للاستثمار في قطاع الطاقة وغيره من القطاعات الأخرى. وعلى الرغم من أن انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد في يونيو من العام الماضي 2005, قد بني على أساس تعهده بإصلاح الاقتصاد القومي, فإن الذي حدث فعلياً هو تراجع أسواق المال والأسهم الإيرانية, بينما شهدت رؤوس الأموال المحلية هجرة واسعة باتجاه الغرب ودول الخليج العربي, بغية الحفاظ عليها آمنة هناك. علاوة على ذلك فإنه ليس متوقعاً للاقتصاد الإيراني أن ينمو ويزدهر في ظل عقوبات دولية مفروضة عليه, وفي ظل العزلة الدولية المترتبة عنها.
وعلى المدى البعيد, فالخوف كل الخوف أن تتحول الضغوط الخارجية إلى ضغوط داخلية, ناشئة من أغلبية المجتمع الإيراني, المتأثرة اقتصادياً ومعيشياً بهذه العقوبات. فما أسوأ أن تترجم المعاناة والململة إلى احتجاج سياسي شعبي.