في استراتيجية الأمن القومي الأميركي الجديدة يعيد بوش التأكيد على عقيدته الخاصة بالحرب الاستباقية ضد الإرهابيين، والدول المعادية، المزودة بأسلحة كيمياوية وبيولوجية ونووية، على الرغم من التجربة المضطربة في العراق.
وهذه الوثيقة التي تأخرت طويلاً عن موعدها، والتي هي عبارة عن تفصيل للأوليات الاستراتيجية الأميركية، تقدم رؤية واضحة عن قوة الولايات المتحدة، وعن مسؤوليتها في إحداث تغييرات في مختلف أنحاء العالم.
وبالنسبة لموضوعات "الإبادة الجماعية، وتهريب البشر، والإيدز"، فإن الاستراتيجية تصف نفسها بأنها "مثالية فيما يتعلق بالأهداف وواقعية فيما يتعلق بالوسائل".
وتتوسع الاستراتيجية حول إطار الاستراتيجية الأصلي الذي كان قد تم تقديمه بواسطة إدارة بوش في سبتمبر 2002، قبل غزو العراق. وكانت تلك الاستراتيجية قد حولت سياسة أميركا الخارجية من سياسة الردع والاحتواء التي تبنتها لعقود طويلة إلى سياسة أكثر عدائية، تقوم على مهاجمة الخصوم قبل أن يقوموا هم بمهاجمة الولايات المتحدة.
وقد أدت العقيدة الاستباقية إلى إثارة سجال حاد في ذلك الوقت، ويعتقد الكثير من المنتقدين أن فشل الولايات المتحدة في العثور على أسلحة الدمار الشامل قد قوض افتراضاً جوهرياً من الافتراضات التي تقوم عليها هذه الاستراتيجية وهو ذلك الخاص بأن المعلومات الاستخباراتية التي يتم جمعها حول قدرات العدو ونواياه يمكن أن تشكل في حد ذاتها سبباً كافياً يبرر قيام الولايات المتحدة بشن الحرب الاستباقية.
في نسخة الاستراتيجية المعدلة لا يغير بوش رأيه بشأن سياسته الاستباقية، بل يقول إنها "ستظل كما هي". وهو يدافع عنها باعتبارها سياسة ضرورية لدولة لا زالت" في السنوات الأولى من كفاح طويل "يشبه الكفاح الذي خاضته أثناء الحرب الباردة.
وفي إيماءة إلى المنتقدين في أوروبا، تشدد الوثيقة على العمل مع الحلفاء، وتعلن عن دبلوماسية تقول إنها تمثل"خيارها الأفضل" في التعامل مع تهديد أسلحة الدمار الشامل.
وتقول الوثيقة "بيد أننا عند الضرورة، ووفقاً لمبادئ الدفاع عن الذات المعمول بها منذ وقت طويل، لا نستبعد استخدام القوة قبل أن تحدث الهجمات ضدنا، حتى في حالة عدم اليقين بشأن توقيت ومكان هجوم العدو". وفي موضع آخر منها نقرأ:" عندما يحتمل أن تكون عواقب هجوم يقع بأسلحة الدمار الشامل ضدنا مدمرة للغاية، فإنه لن يكون في وسعنا في مثل هذه الحالة أن نقف دون حراك في الوقت الذي تتجسد فيه أخطار جسيمة أمامنا".
ومثل هذه اللغة يمكن أن ينظر إليها على أنها استفزازية، خصوصاً في الوقت الراهن الذي قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون فيه بإحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي، كي تقوم طهران بالرد على الادعاءات القائلة بأنها تقوم سراً بتطوير أسلحة نووية. ففي مؤتمر صحفي عُقد في يناير الماضي، وصف بوش إيران المسلحة نووياً بأنها تمثل "تهديداً خطيراً لأمن العالم".
وقد انتقد بعض الاختصاصيين في شؤون الأمن استمرار بوش في الالتزام بعقيدة الاستباق. فأحدهم وهو "هارلان أولمان كبير المستشارين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية يقول:"من المرجح أن الاستباق سواء الآن أو في المستقبل سيظل أداة فعالة، ولكن ذلك لا يعني أنه حجة يمكننا دائما اللجوء إليها وقذفها في وجه أي أحد". ويضيف أولمان:"وعلى هذا فإنه عندما تكون لدينا استراتيجية عن الاستباق ونقوم بجعلها محوراً رئيسياً من محاور عملنا فإننا نرتكب في هذه الحالة خطأً جسيما".
والاستراتيجية ليس لها سلطة قانونية في حد ذاتها، ولكن المقصود منها أن تكون بمثابة خطوط إرشادية، يمكن أن تهتدي بها أي وكالة من الوكالات أو أي مسؤول يقوم برسم سياسات تتعلق بالمجالات العسكرية والدبلوماسية وغيرها. وعلى الرغم من أن هناك قانوناً صادراً عام 1986 ينص على ضرورة أن تتم مراجعة تلك الوثيقة سنوياً، فإن النسخة الحالية هي أول نسخة جديدة تصدر بعد النسخة الأصلية الصادرة عام 2002.
حول هذه النقطة يقول "ستيفن هادلي" مستشار الرئيس بوش لشؤون الأمن القومي في لقاء صحفي:"لا أعتقد أن النسخة الجديدة تمثل تغييراً في الاستراتيجية، وإنما هي تمثل في رأيي عملية تحديث تحدد إلى أين وصلنا في الاستراتيجية بالنظر إلى الوقت الذي انقضى، والأحداث التي حدثت".
بيد أن النسخة الجديدة للاستراتيجية تبرز بطريقة أكثر موضوعية رغبة بوش في جعل هدف نشر الديمقراطية، هو الدعامة الأساسية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة كما حددها في الخطاب الافتتاحي لفترة ولايته الثانية العام الماضي، وخصوصا في الفقرة التي تقول:"إن سياسة الولايات المتحدة تقوم على السعي إلى، ودعم، الحركات والمؤسسات الديمقراطية في كل أمة من الأمم وثقافة من الثقافات، وصولا إلى تحقيق هدف إنهاء الطغيان في العالم".
والاستراتيجية تلزم الإدارة بالاحتجاج على انتهاكات حقوق الإنسان، وعقد اجتماعات على مستوى عال في البيت الأبيض مع العناصر الإصلاحية التي تعيش في دول قمعية، واستخدام المساعدات الخا