بقرارها الخاص بإحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي, تضع الوكالة الدولية للطاقة الذرية, واشنطن وحلفاءها على خط المواجهة مع طهران. وما لم يتوصل المتنازعون إلى بلورة استراتيجية يمكن بها تجاوز الشكوك الكبيرة والجدية المحيطة بنوايا طهران النووية, مع الحفاظ في الوقت ذاته, على الحقوق التي تكفلها لها معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية, فإن الجهود الدبلوماسية المبذولة الآن لنزع فتيل هذه الأزمة, لن تثمر عن شيء يجدي في هذا الاتجاه. وبينما يتواصل اللهاث والسعي من قبل كافة الأطراف المعنية بالأزمة, يظل الباب مفتوحاً أمام فرض العقوبات واحتمال توجيه ضربة عسكرية لإيران, بكل ما تحمله ضربة كهذه من مخاطر أمنية إقليمية تطال المنطقة برمتها, علاوة على تأثيرها السلبي على أسواق النفط العالمية. ومما لاشك فيه أن حل الخلافات بين شتى الأطراف, يتطلب جهداً دبلوماسياً كثيفاً ومثابراً. وربما تكمن بذور هذا الحل في تأكيدات إيران نفسها للطابع السلمي لبرامجها. غير أن هناك خياراً آخر لم يخطُ أحد لتجريبه بعد, ألا وهو خيار "الاختبار النووي" الذي ربما يلبي حاجة مختلف الأطراف ذات الصلة بالأزمة الحالية.
وميزة هذا الخيار أنه يكفل لإيران حقوقها المنصوص عليها في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية, والمعني هنا حقها في تطوير تكنولوجيا الطاقة النووية المعالجة, مقابل الإبقاء على مفتشين دوليين مقيمين في كافة منشآتها ومرافقها النووية, إلى أجل غير مسمى. وفي مقابل كفالة تلك الحقوق, يتعين على طهران, توفير كافة الوثائق والمعلومات والبيانات المتعلقة بالطاقم البشري العامل, والمشتريات النووية, وكذلك المعدات ثنائية الاستخدام, فضلاً عن بيانات الورش الحربية والأبحاث ومواقع التطوير, متى ما طلبت منها. وفيما لو خرقت إيران هذا الاتفاق, فإن عليها أن تتحمل وزر ما فعلت, وهي لاشك حزمة من العواقب الوخيمة المصادق عليها من قبل مجلس الأمن الدولي, على أن يتم تطبيقها وفقاً لجدول زمني سريع. وعلى إيران أن تعلم أن تلك الحزمة تتألف من قرارات بالعزل الاقتصادي والمقاطعة العسكرية, إضافة إلى العمل العسكري الذي يستهدف تدمير كافة المنشآت والمرافق الإيرانية المشتبه بها نووياً.
ويعترف هذا التصور بعزم إيران على الحصول على منشآتها الخاصة بتطوير الطاقة النووية, التي تزعم أنها ستحقق لها استقلاليتها النووية في مجال الطاقة. وبينما يكفل لها التصور هذا الحق –عبر خضوعها التام لإجراءات الوكالة الدولية للطاقة الذرية- فإنه يلزمها في الوقت ذاته, بصون التزاماتها وتعهداتها المنصوص عليها في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وفيما لو رفضت طهران هذا التصور الذي يحفظ لها حقوقها في مجال تطوير الطاقة النووية, فإن من شأن رفض كهذا أن يبدد أية شكوك حول اعتزامها المضي قدماً في تطوير الأسلحة النووية. وعلى نقيض ذلك تماماً, فإن في نجاح إيران في التقدم بطلب لخضوعها لفترة اختبار نووي, ما يعطي الوكالة الدولية آلية جديدة للتنسيق والمزاوجة ما بين كفالة حقوق التكنولوجيا النووية التي لا تنفصم عراها للدول من ناحية, والالتزام بمسؤوليات حظر انتشار الأسلحة النووية من الناحية الأخرى. تلك كانت هي المقاربة الأولى من جانب بنيت رامبيرج.
أما جون بي وولفسثال, فيرى أن على واشنطن أن تضع عينها على أفعال إيران وليس نواياها. ويعتقد أن هناك ثلاثة خيارات أمام أميركا وحلفائها لوقف البرامج النووية الإيرانية. أولها العمل على إقناع العالم بأن لإيران برامج تسلح نووي نشطة, على الرغم من أنه لم يتوفر الدليل بعد, على تطويرها لقنبلتها النووية. أما الخيار الثاني فيتمثل في تمسك أميركا بالقول إنه وبصرف النظر عن النوايا الإيرانية, فإن في مجرد الاستمرار في برامج تخصيب اليورانيوم, ما يمكنها من تطوير الأسلحة النووية. وهذا أمر يجب عدم التسامح حياله, بالنظر إلى العلاقات التي تربط بينها والجماعات الإرهابية, علاوة على معارضتها لتحقيق السلام في المنطقة. وبالطبع ستدفع إيران بحجة أن الولايات المتحدة إنما تريد عرقلة تطورها الاقتصادي والتكنولوجي, في الوقت الذي تحتفظ فيه هي –أميركا- وحليفاتها بتكنولوجيا الطاقة النووية وبرامج تخصيب اليورانيوم. ويتلخص الخيار الثالث والأخير في مطالبة إيران بتصحيح واستعادة وضعها الدولي, إثر كل الانتهاكات الصارخة التي ارتكبتها بحق المعاهدات والقوانين الدولية. ولنذكر أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية كانت قد ضبطت إيران متلبسة بانتهاكها لـ"القانون النووي" الدولي في سبتمبر من عام 2005, إثر اعتراف إيران نفسها بالخداع النووي, على امتداد 18 عاماً.
لكن وعلى نقيض ذلك تماماً فإن "راي تقي" يرى أن في تواصل الضغوط على طهران, ما قد يتمخض عن نتائج سالبة وعكسية لما هو مراد لها. وعلى حد قول الكاتب, فإنه لابد من الثناء على أداء إدارة بوش فيما يتصل بالملف النووي الإيراني, لكونها تمكنت من بلورة موقف دولي, استطاع أن يوحد بين دول متباينة المواقف مثل رو