من خلال ضخ الأموال، واتباع سياسة جديدة تقوم على الصبر، والمساندة الودية، تمكنت الصين بهدوء من اختراق الجدار السميك الذي يحيط بنظام الزعيم الكوري الشمالي "كيم يونج إيل"، مما أتاح لها نفوذا قويا للمرة الأولى ربما داخل نظام يعتبر من أكثر الأنظمة انغلاقا في العالم.
لقد استطاع الزعماء الصينيون – كما تقول المصادر- أن يلفتوا انتباه السيد "كيم" من خلال رسالة تقول إن كوريا الشمالية يمكنها إعادة إحياء اقتصادها، مع القيام في نفس الوقت بالاحتفاظ بقبضة قوية على أمورها السياسية.
ففي العام الماضي، تجاوزت الصين ما كانت الولايات المتحدة تطلبه منها وهو القيام بالضغط على السيد "كيم" وإجباره على التخلي عن طموحاته النووية (الحقيقة أن العملية السياسية سداسية الأطراف التي بدأت عام 2003 وكان الغرض منها تجريد كوريا الشمالية من أسلحتها النووية تبدو الآن وكأنها قد أوشكت على الموت). بدلا من أسلوب الضغط اعتمدت الصين أسلوبا آخر يقوم على ضخ استثمارات قيمتها مليارا دولار العام الماضي إلى كوريا الشمالية ومساعدتها على إعادة بناء موانئها، وإنشاء مصانع، وتحديث قطاعات الطاقة في إطار ما وصفه أحد الدبلوماسيين الأميركيين بأنه يمثل "عملية تقديم جزرات (إغراءات) ضخمة". ولم تحاول الصين استخدام هذه المساعدات كوسائل لإنهاء برنامج بيونج يانج النووي كما كانت أميركا تأمل منها.
وفي الحقيقة أنه عقب الزيارة التي قام بها "كيم يونج إيل" إلى الصين، والتي تمت استضافته أثناءها فيما يعرف بـ"القاعة الكبرى"، بدت كوريا الشمالية وكأنها أصبحت تتصرف باعتبارها "دولة تابعة للصين" وهو مصطلح تم استخدامه من قبل مصادر مطلعة على الشؤون الآسيوية للدلالة على العلاقة الوثيقة بين الدولتين.
وكان "كيم" قد وصل إلى الصين وهي في منتصف تنفيذ خطتها الخمسية (الحادية عشرة) وقام بزيارة عدة مدن نموذجية كانت الصين قد بدأت في إنشائها. وقد وصلت درجة إعجابه بما رأى إلى حد "الذهول" بحسب وصف عدد من المسؤولين الصينيين الذين قاموا بمرافقته خلال تلك الزيارة لإطلاعه على مدى التقدم الذي حققته بلادهم في مجال إنشاء المدن الجديدة التي تحتوي على أعداد كبيرة من المصانع المكتظة بالعمال والتي يطلق عليها أحيانا "ورش العالم" أي المصانع التي تقوم بتغذية سلاسل المحلات الكبرى في الولايات المتحدة والعالم أجمع. ودون شك كان لهذه الزيارة تأثير كبير على تغيير طريقة تفكير الزعيم الكوري الشمالي وهو ما يبدو من خلال لغة البيانات الصحفية التي أذاعتها وكالة الأنباء المركزية الكورية بعد عودته إلى بيونج يانج قادما من الصين. فلأول مرة في تاريخها علقت الوكالة بشكل إيجابي على الانفتاح والإصلاح الصيني، وهو ما يتناقض مع تصريح سابق للزعيم الكوري الشمالي وصف فيه الخطوة الصينية التاريخية بالانتقال إلى إصلاح السوق والتي قادها الزعيم الكبير "دينج هيساو بينج" بأنها تعتبر "خيانة للاشتراكية". ومع ذلك، في الثامن عشر من يناير الماضي نشرت وكالة الأنباء المركزية الكورية نص كلمة كان "كيم يونج إيل" قد ألقاها في "القاعة الكبرى" قال فيها بشكل صريح: "إن زيارتنا للجزء الجنوبي من الصين قد أقنتعنا ... بأن الصين ينتظرها مستقبل زاهر بفضل الخط الصحيح الذي سارت عليه، والسياسات التي اعتمدها الحزب الشيوعي".
ويذكر في هذا السياق أن الصين تقوم في الوقت الراهن بإعادة إحياء البنية الأساسية لكوريا الشمالية، وأن 40 في المئة من التجارة الخارجية لبيونج يانج تتم مع الصين، وذلك وفقا لما كشفت عنه دراسة حديثة أجرتها "مجموعة الأزمات الدولية". وأشارت تلك الدراسة كذلك إلى أن 80 من السلع الاستهلاكية في كوريا الشمالية مستوردة من الصين. بيد أن هناك نقطة يجد البيت الأبيض نفسه غير قادر على استيعابها بسهولة، وهي أن الصين، وبعد المساعدات الضخمة التي قدمتها لكوريا الشمالية، بدت في نظر المسؤولين الأميركيين وكأنها قد غدت مؤهلة للحصول على تنازلات كبيرة من نظام بيونج يونج، في إطار العملية السياسية سداسية الأطراف، يمكن أن تصل إلى حد عقد صفقة مع ذلك النظام يقوم بموجبها بتفكيك برنامجه النووي.
وتلزم الإشارة هنا إلى أن الإدارة الأميركية كانت قد رفضت مرارا التفاوض مع نظام كوريا الشمالية بصدد برنامجه النووي لأنها تعتبر هذا النظام أحد أطراف "محور الشر" من جهة وبسبب تاريخ "كيم يونج إيل" في الإخلال بالتعهدات التي يقطعها على نفسه، وسجله في انتهاك حقوق الإنسان في بلاده بحسب مصادر أميركية. وفي نفس الوقت تنظر كوريا الجنوبية بتوجس إلى تزايد النفوذ الصيني في كوريا الشمالية، وخصوصا أن الآمال كانت تحدوها في أن تتطور العلاقات بينها وبين بيونج يانج إلى الوحدة في نهاية المطاف. لذلك السبب كان من الصعب على سيئول "هضم" العملية السياسية سداسية الأطراف التي استضافتها الصين،
وخصوصا أن هناك شكوكاً تراود سيئول منذ زمن مؤداها أن بكين تتعمد إبقاء الكوريتين منفصلتين كي تكونا بمثابة حاجز عازل بينها وبين الو