سعدات... جيل فلسطيني يواجه مصيره


 الرئيس الفلسطيني محمود عباس يحمِّل لندن وواشنطن مسؤولية ما قد يحصل لسعدات ورفاقه، وإسماعيل هنية رئيس الحكومة المكلف يحذر من مغبة المساس به، وحالة من الغليان والغضب الشديد تسود الأراضي الفلسطينية، وعمليات خطف طالت بعض الأجانب في الضفة والقطاع، والفصائل تهدد برد مزلزل على الهجوم... تلك هي أهم العناوين في المواقف وردود الفعل الفلسطينية على عملية اختطاف أحمد سعدات أمين عام "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" وأربعة من كوادر الجبهة، إثر هجوم عسكري إسرائيلي استخدمت فيه الدبابات والمروحيات العسكرية واستمر يوما كاملا، تمكن خلاله الجيش الإسرائيلي من اقتحام سجن أريحا والسيطرة عليه، حيث كان يُعتقل سعدات منذ أربعة أعوام ومعه سجناء آخرون أبرزهم اللواء فؤاد الشوبكي.


وفي آخر اتصال مع سعدات من سجنه، وبعد ساعات من بدء العدوان الإسرائيلي، أعلن زعيم "الجبهة الشعبية" أنه ليس واردا لديه ولدى رفاقه تسليم أنفسهم لقوات الاحتلال، وأضاف متحدثا إلى إحدى محطات الإذاعة المحلية الفلسطينية: "سنواجه مصيرنا بشجاعة... فإما أن نموت أو يعتقلونا أحياء... إنني كواحد من هذا الشعب الذي يواجه مؤامرة تستهدف وجوده وتستهدف اجتثاثه، لا خيار أمامنا سوى المقاومة والمواجهة". انتهت العملية وتم اعتقال أحمد سعدات، لكن ذلك لم يكن أول عهده بالاعتقال أو ما في معناه من معاناة أخرى، فقد ولد عام 1953 في مدينة البيرة لأسرة هُجّرت من قريتها الأصلية (دير طريف) عام 1948. عاش طفولته وترعرع في البيرة شاهداً على ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، وتخرج من معهد المعلمين في مدينة رام الله (تخصص رياضيات) عام 1975.


 واعتقل في سجون الاحتلال ثماني مرات، كانت أولاها في شهر فبراير عام 1969 (3 أشهر)، ثم للمرة الثانية في إبريل 1970 (28 شهرا)، وأعيد اعتقاله في مارس 1973 (10 أشهر)، واعتقل للمرة الرابعة في شهر مايو (45 يوما)، وجاء اعتقاله في مايو 1976 (4 سنوات)، اعتقل إثرها للمرة السابعة في أكتوبر 1985 (عامان ونصف العام)، ثم أعيد اعتقاله في أغسطس 1989 (9 أشهر)، وللمرة الثامنة اعتقل في أغسطس عام 1992 (13 شهرا). كما اعتقل سعدات في سجون السلطة الفلسطينية أربع مرات؛ في ديسمبر 1995، وفي يناير 1996، وفي مارس من العام نفسه، وأخيرا في مطلع عام 2002. وقد أصبح هدفا لملاحقات إسرائيلية منذ توليه منصب الأمين العام للجبهة، خلفا لأبي علي مصطفى الذي اغتيل بصاروخين إسرائيليين استهدفا مكتبه في مدينة رام الله يوم الـ27 أغسطس 2001.


 وهي العملية التي دفعت بالجبهة الشعبية نحو قناعات أقل إيمانا بجدوى العملية التفاوضية، وإن لم تستعد أسلوبها في حقبة السبعينيات حينما اشتهرت بعمليات خطف الطائرات ونسف المطارات واقتحام السفارات الإسرائيلية... فأعلنت في أكتوبر 2001 عن إنشاء جناح عسكري باسم "كتائب الشهيد أبو علي أبو مصطفى" والتي قامت في السابع عشر من الشهر نفسه باغتيال الوزير الإسرائيلي المتطرف رحبعام زئيفي. واستجابة لضغوط أميركية وإسرائيلية، قامت السلطة الفلسطينية في الـ15 من يناير 2002 باستدراج سعدات إلى أحد فنادق مدينة البيرة، وهناك ألقي عليه القبض ونقل للحجز في مجمع الرئيس ياسر عرفات، مع خمسة آخرين هم: باسل الأحمر وأحمد أبوغلمة ومجدي الريماوي وحمدي قرعان، (أعضاء في الجبهة الشعبية تتهمهم إسرائيل بقتل زئيفي)، إضافة إلى فؤاد الشوبكي، مدير الدائرة المالية لأجهزة الأمن الفلسطينية، والمعتقل في موضوع السفينة "كارين" التي زعمت سلطات الاحتلال أنها كانت تنقل أسلحة إلى غزة. لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، ففي الـ29 مارس 2002، قام الجيش الإسرائيلي بمهاجمة المجمع الرئاسي وفرض حصارا حوله، وطالب بتسليم المعتقلين الستة، ولم يُرفع الحصار إلا في الأول من مايو وذلك بموجب صفقة نقل على أساسها المعتقلون الستة من المجمع إلى سجن أريحا، ليخضعوا للإشراف من مراقبين بريطانيين وأميركيين. وفيما أصدرت المحكمة الفلسطينية العليا أمرا في يونيو 2002 بالإفراج عن سعدات، فإن السلطة لم تنفذ الأمر "خوفا" على حياة الأمين العام للجبهة الشعبية من التهديدات الإسرائيلية باغتياله. بيد أن الجبهة اليوم تحمّل السلطة كامل المسؤولية عما جرى؛ إذ لم يكن لها أن تعتقل مواطنا بلا جرم، أو أن تقبل أي اتفاق على ذلك مع جهة خارجية، و"كان يجب أن تنهي ملف اعتقالنا قبل الآن"، كما قال سعدات من هاتفه يوم الثلاثاء الماضي، وكان أيضا من واجب السلطة، وفقا لما تراه الجبهة، أن تتعامل بجدية مع الإشعار البريطاني حول إمكانية سحب المراقبين الأجانب من السجن! ورغم ما ألحقته عملية سجن أريحا من إهانة كبيرة بالسلطة وأجهزتها الأمنية، فربما ربط البعض بين "تهاونها" في حماية سعدات وبين تجاه الجبهة نحو دخول حكومة ائتلاف وطني مع حركة "حماس"، حتى وإن كانت عضوية الجبهة في البرلمان لا تتعدى ثلاثة مقاعد، أحدها لس