لقد قلت من قبل وأكرر هذه المرة في هذا المقال، على أهمية الإصلاح والتغيير الإداري في نجاح مشروع التعليم الجديد، لأن العامل الإداري يعتبر من أقوى العوامل الحركية الهادفة إلى تحسين جودة العمل المؤسسي، في داخل النظام التعليمي والارتقاء بمستوى الإنتاج. والإدارة في جوهرها هي عملية قيادة وقدرة على البناء والتأثير والتطوير والإبداع والابتكار، لذلك فإن العنصر البشري في المؤسسة يعتبر هو الأساس المحرك لعملية التطوير والتجديد. وحاجة التربية والتعليم إلى الإداريين -حسب رأي المفكر الفرنسي لويس غروس صاحب الكتاب الشهير "التفجر المدرسي"- أمسّ من حاجتها إلى الرياضيين والفيزيائيين، لأن الإداري الناجح هو الذي يأخذ بأهم منطلقات القدرة على التجديد والتطوير في المؤسسة، لذلك فإننا نجد أن أكثر الدول تقدماً في التعليم كانت تضع في أجندتها الإصلاحية وأولويات استراتيجيتها التعليمية الإصلاح الإداري، كبداية لإصلاح التعليم الذي اختارته ليكون في مستوى التحديث المستقبلي المطلوب.
ما جعلني أتحدث عن أهمية التغيير الإداري وأكرر الحديث فيه، هو ما نشرته إحدى الصحف المحلية حول موضوع "خوف بعض مديري الإدارات في وزارة التربية من بقاء بعض القيادات العليا"، في مناصبهم، في المرحلة الجديدة من عمر التعليم، لأن هذا البقاء يعني في نظرهم استمرار التعامل بأسلوب الثقافة الإدارية السابقة التي كان لها دور مؤثر في نشر حالة التذمر من العملية وإعاقة القدرة على العطاء والإنتاج للأسباب التالية:
1- إن بعض هؤلاء المسؤولين يتعاملون معهم بفوقية عالية.
2- إن أسلوب التعامل تغلب عليه تصفية الحسابات وعدم العمل بروح الفريق الواحد داخل المؤسسة.
3- إن الأمر وصل فيما بينهم إلى حد تكريس حالة الصراع الإداري داخل المؤسسة التعليمية.
هذا الأمر يؤكد تماماً أن هناك خللا في منظومة العمل الإداري داخل المشهد التعليمي نفسه، وهذا الخلل يبدو واضحاً في الصورة التي رسمها هؤلاء المديرون. لذلك فإن التغيير الإداري أصبح أمراً ضرورياً في هذه المرحلة الجديدة حتى تصبح المنظومة الإدارية متوافقة تماماً مع ما يجري من إصلاح في التعليم، وهذا التغيير لا يجب أن يتوقف عند تغيير القيادات أو تعديل هيكلي بسيط، وإنما يجب أن يكون هناك تحول كامل في منظومة العمل الإداري وتغيير جوهري في الروح والفكر والثقافة الإدارية وأخلاقيات الوظيفة وفي التنظيم داخل المؤسسة التعليمية، وأن يرافق ذلك بناء سياسة إدارية تهدف إلى إعادة بناء الهيكل الإداري وفق مبادئ المساءلة والشفافية واستئصال الخلل الإداري أو الفساد الإداري منه، لأن الإصلاح الإداري يمثل عملية مهمة ذات جوانب ومضامين وارتباطات بعملية التغيير المطلوبة في الفكر التربوي وعملية التنمية بأكملها.
كل ما أتمناه أن يتم تسريع عملية التغيير التي وعد بها وزير التربية في تصريحه المنشور في صحيفة "الاتحاد" الصادرة يوم الجمعة الموافق 10/3/2006، الذي قال فيه بصراحة: "إن التغيير في الوزارة لن يقتصر على الطالب والمعلم، بل سيشمل أيضاً عدداً من قيادات التربية في ديوان الوزارة والمناطق التعليمية، وإنه لا مكان في الوزارة خلال الفترة المقبلة لسكان الأبراج العاجية، وإنه لن يسمح أبداً بأن يكون الصراع الإداري إحدى مفردات العمل اليومي، وإن الفترة المقبلة ستشهد نسف الجزر المعزولة التي تعوّد البعض على العمل بداخلها بعيداً عن روح الفريق الواحد، وإن التغيير في قيادات الوزارة قادم لأن مظاهر الخلل أصبحت واضحة ولن يستثني أحد من الحساب مهما كان".