المواطن المغلوب على أمره يصارع القروش المفترسة في القطاع الخاص وإن كان صاحب العمل مواطنا مثله إلا أن أمره بيد غيره من الخبراء والمستشارين والرؤساء التنفيذيين من الأجانب الذين يدافعون عن مصالح بني جنسهم بأسنان حادة وكماشات تخلع سياسة التوطين من عيون المواطن المتهم الذي يبحث عن أدلة البراءة في أقبية استجداء هذا القطاع الذي ينشر غسيله الظاهري عن زيادة نسب التوطين لديه ويموه على نسب التسرب العالية من بين مخالب شركاته ومؤسساته.
ومع ذلك كله يطالب القطاع الخاص، بالجملة والتجزئة، الحكومة برفع يدها عن المواطن لأن فيه سلبية قاتلة إذا ما تم تعيينه في هذا القطاع الذي يصر على إقالته أو إجباره على ذلك بشتى الطرق، ولكن قانون الدولة تحميه هي ذاتها إذ لا يمكن ترك المواطن وهو يغرق في محيط العمالة الوافدة ومنعه والحيلولة دون إنقاذه.
يراد من المواطن الذي يساهم في زيادة نسب التوطين في القطاع الخاص أن يسلم أمره إلى مؤسسات ذلك القطاع ومصالحه، بعيدا من أروقة حماية القوانين، حتى إذا جاءت ساعة ظهور عدم جدواه، في نظر مشغليه، فلا يملك الحبال الصوتية التي تصرخ في وجه هذا الوضع المزري.
فالذين من المواطنين قرروا أن يقبلوا العمل في هذا القطاع، لا أقول باختيارهم، بل من قلة حيلتهم في الحصول على وظيفة آمنة في القطاع العام، فإن الشروط غير المعلنة للتوظيف تمنعهم من الحصول على أي امتيازات أو زيادات أو ترقيات أو ما إلى ذلك من الحوافز غير المرئية، إذ ليس عليهم إلا السمع والطاعة العمياء مع عدم السماح لهم باقتباس بكاء الحيوان!
وعلى هذا المواطن الراضي بحكم القطاع الخاص الذي يحتم عليه (الكرافته) في الغالب لساعات طويلة، يواصل عمله الدؤوب واقفا على رجليه وليس متكأ على الأرائك ينظر إلى (الكستمر) الذي يراد إيصال الخدمة إليه بكل سهولة ويسر وإن كان ظهره يتقطع ألما إلى نصفين غير متساويين.
ويزداد هذا القطاع شراسة في التعامل مع قضية التوطين بنظرة اقتصادية ضيقة ونابعة بشكل عام من الاقتصاد الموسع والممتد نحو الخارج ولا علاقة له بالداخل، ونعني بذلك الاقتصاد الوطني الذي يجب أن يكون غذاؤه أو عموده الفقري المواطن وليس الأجنبي الذي يهرب بماله من حيث أتي وقد لا يوفر في جيبه احتياطا للمصروف اليومي.
ولو أخذنا قطاع المصارف الذي يعد العصب المالي والاقتصادي في الدولة ولم يتمكن خلال عام 2005 من الاحتفاظ بنسبة 43,7% من إجمالي المواطنين الذين تسربوا من بين يديه ومن خلفه، وإن كان هذا القطاع قد درس أسباب هذا التسرب والهروب، فسنرى بكل وضوح أنه لم يسع إلى تحفيز وتشجيع هؤلاء للبقاء في وظائفهم لأطول فترة ممكنة من أجل كسب الخبرات اللازمة في هذا القطاع الحيوي قبل مغادرته إلى المحطات الأخرى.
فتقارير هيئة تنمية الموارد البشرية تؤكد على هذه الحقائق المرة عندما أقرت بأن 85% من إجمالي المصارف والبنوك لم تلتزم بنسبة 4% المقررة من جانب الحكومة، بل بدأ معدل التوطين فيها يتراجع بنسبة 24%، ولحقه قطاع التجارة العامة الذي بلغت نسبة التوطين الإجمالية فيه، وللشركات مجتمعة، نحو 0,16% فقط، وهي أدنى من نسبة نظام الحصص المقدرة بحوالى 2%، ونخشى أن يظن هذان القطاعان بأن المطلوب منهما تحقيقه هو نسبة 40 و20% لكل منهما على التوالي، فلو كان الأمر كذلك فكيف نتوقع حقيقة التعامل مع توظيف العمالة المواطنة، فللقطاع الخاص الحق في التطبيل والتصفيق لهذا الإنجاز المنقوص لسياسة واستراتيجية التوطين في الدولة.