ماذا تخبرنا كعرب ومسلمين إسلاميين وليبراليين، رجال أعمال وأناس عاديين هذه المنازلة الفجة والتطرف العنصري والاستقواء بسلاح الخطر على الأمن القومي الأميركي كمبرر غير مقنع لمعارضة الكونغرس الأميركي ومن أعضائه الديمقراطيين قبل الجمهوريين السماح لشركة موانئ دبي العالمية بإدارة 6 موانئ أميركية كجزء من حقها في الصفقة التي تم من خلالها شراء شركة (P & O) البريطانية بمبلغ 6.8 مليار دولار . مما أضطر الشركة للتراجع عن موقفها الذي يدعمها فيه الرئيس بوش. ما هي الرسائل التي نستطيع أن نقرأها من ذلك الصلف والاستهداف المتعمد للعرب والمسلمين؟ إن تسييس الاقتصاد والاستثمار بذلك الشكل الذي ظهر من خلال سعي الكونغرس الأميركي بالرغم من طمأنة الرئيس بوش الذي أيد الصفقة والمعروف بأن إدارته حازمة في هذا الشأن لا يمكن تفسيره إلا بأنه موجه بدافع الكراهية والتعصب العنصري ضد العرب والمسلمين. أما الحقيقة الثانية فهي، أنه بعد 4 سنوات ونصف من أحداث 11 سبتمبر التي غيرت أميركا وعلى ما يبدو سياسييها فإن أميركا لا تزال تعيش في الماضي وترفض الانتقال للمستقبل وفتح صفحة جديدة.
إدارة بوش وخبراء الأمن يؤكدون أن الصفقة لا تهدد الأمن القومي الأميركي. ومع ذلك لم يشفع لموقف بوش تعبيره عن قلقه من الرسالة التي يمكن أن يفهمها الأصدقاء حول العالم وفي الشرق الأوسط. كل هذا لم يجد نفعاً مع الكونغرس المتطرف، الذي يؤثر في أعضائه المتبرعون والشركات الكبرى والمساهمات المالية في الحملات الانتخابية لأعضائه الذين يحاكم بعضهم بسبب تجاوزات أخلاقية ومالية إلى درجة أن كتباً عديدة سال حبرها عن "أفضل ديمقراطية يستطيع المال شراءها".
ما يخبرنا عنه الموقف من الصفقة هو أن أميركا راعية الاقتصاد والتجارة الحرة، والمبشرة بالعولمة هي في الواقع عكس ذلك. أن العالم ليس بلا حدود، كما كنا نؤمن والتجارة ليست حرة للجميع، وأن هناك معايير للمسلمين والعرب غير المعايير لبقية الأديان والأعراق. وأنه يحق للعرب والمسلمين الاستثمار بسندات الخزينة والأسهم الأميركية ولكن لا يسمح لهم بالاقتراب من استثمارات في شركات ومؤسسات أخرى. وأنه مقبول أن تدير مرافئ أميركا شركات صينية وسنغافورية ودانمركية ولكن ليس عربية!
إن ممارسة الكونغرس الأميركي لما يسميه بذكاء دانيال غروس "ظاهرة العولمة الانتقائية " وهو محق ستكون لها ردات فعل سلبية ليس فقط على الاستثمارات العربية في أميركا في المستقبل، وليس على ترسيخ الصورة النمطية لأميركا في عقول وقلوب العرب الذين سيقتنعون أكثر بتأصل الإسلاموفوبيا وباستهداف العرب والمسلمين. ولكن ستكون لها ارتدادات سلبية حتى من حلفاء أميركا وأصدقائها ومن العرب الليبراليين المؤمنين بالاقتصاد الحر وحرية التجارة والشركات العابرة للقارات.
ولكن أخطر التداعيات سيكون كيف ستجيِّر بعض الجماعات المتطرفة وكيف ستستخدم قضية الصفقة وتضيفها لرصيد المظالم العربية الإسلامية تجاه أميركا في المنازلة المستمرة معها.
إن قضية صفقة الموانئ كما تقول نشرة "ستراتفور" قد تساهم بالمزيد من التهديد للأمن القومي الأميركي والذي من عجائب الأقدار كان هو السبب الذي قدم من قبل الرافضين للصفقة في المقام الأول. لاشك أن حادثة الصفقة ساهمت بتأليب الرأي العام العربي والإسلامي أكثر ضد أميركا وزادت من كراهية أميركا وأوجدت توجسا وترددا وتخوفا لدى رجال الأعمال العرب الذين سيفكرون مليا قبل الاستثمار فيها.
وفي ذلك دروس وعبر للطرفين .