في واحد من أهم الأخبار الطبية في الفترة الأخيرة، عرضت مجموعة من الباحثين نتائج دراسة مثيرة ضمن فعاليات مؤتمر الكلية الأميركية لأمراض القلب (American College of Cardiology)، خلصت إلى أن العلاج المكثف بعقاقير الستاتين (Statin)، لا ينجح فقط في وقف التدهور في حالة جدران الشرايين، بل يمكن أيضا إصلاح التلف الحادث، من خلال الأثر الإيجابي على مستويات الكوليسترول في الدم، وعلى الترسبات الدهنية حول وداخل جدران الشرايين. وبما أن مرض تصلب الشرايين الناتج عن ارتفاع مستويات الكوليسترول، وخصوصا شرايين القلب، يتسبب في وفاة قرابة سبعة عشر مليون شخص حول العالم سنويا، وهو ما يضعه على رأس قائمة أكثر الأمراض تسببا في الوفاة بين أمراض الجنس البشري، يتوقع لهذه النتائج المذهلة أن تستغل في إنقاذ حياة الكثيرين. وكانت هذه الدراسة قد أجريت على 349 مريضاً، في مراكز طبية متخصصة في أمراض القلب والشرايين، في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا وأستراليا، وباستخدام 40 مليجراماً من عقار (Rosuvastatin)، وهو أحد عقاقير مجموعة الستاتين، ويعرف تجاريا بالكريستور (Crestor). هذه الجرعة الهائلة، تبلغ أربعة أضعاف الجرعة المستخدمة من قبل معظم المرضى، والتي لا تزيد في الغالب عن 10 مليجرامات، أو 20 مليجراما في بعض الأحيان. وكما هو متوقع من أعضاء مجموعة الستاتين، والتي تشمل أيضا عقاقير الليبي-تور، والزو-كور، والبرافا-كول، نجح هذا الريجيم العلاجي المكثف في خفض مستوى الكوليسترول السيئ (LDL) بحوالى 50%، مع رفع مستوى الكوليسترول الجيد (HDL) بحوالى 15%. والكوليسترول هو عبارة عن مادة دهنية شمعية، يحتاجها الجسم البشري للقيام بالعديد من الوظائف الحيوية الأساسية، كإنتاج وبناء الخلايا الجديدة مثلاً. ويحصل الجسم في الأحوال العادية على احتياجاته من الكوليسترول عن طريق ما نتناوله من طعام، أو من خلال إنتاج وتصنيع الكبد له. وعلى الرغم من احتواء الكثير من الأطعمة على نسب مختلفة من الكوليسترول، إلا أن 80% من احتياجات الجسم يتم توفيرها من خلال التصنيع الداخلي في خلايا الكبد. ويرتفع غالبا مستوى الكوليسترول في الدم فوق المستوى الطبيعي، نتيجة تناول أطعمة محتوية على كميات مرتفعة من الدهون المشبعة بصفة دائمة، أو بسبب الإصابة بمرض وراثي يؤدي إلى اختلال في العمليات الأيضية للدهون. ويعتبر الكوليسترول السيئ (LDL) هو المتهم الأول خلف تصلب الشرايين، ولذا يعتبر خفض هذا النوع من الكوليسترول في الدم أحد أهم الأهداف في الوقاية من الإصابة بهذا المرض. أما النوع الآخر من الكوليسترول، أو الكوليسترول الجيد (HDL)، فله تأثير معاكس للكوليسترول السيئ. حيث يقي من تصلب الشرايين وما ينتج عنه من أمراض، من خلال مقاومته لترسب الكوليسترول السيئ على جدران الشرايين.
ويحاول الأطباء مساعدة مرضاهم على خفض مستويات الكوليسترول من خلال عدة أساليب، مثل الحمية الغذائية، وممارسة التمارين الرياضية بشكل منتظم. إلا أن التجربة أثبتت أن عقاقير الستاتين، وخصوصا الجيل الجديد منها، تعتبر أكثر الأساليب وقعا وأسرعها نتيجة في خفض مستويات الكوليسترول. وكانت غاية آمال الأطباء من استخدام هذه العقاقير، هي خفض الكوليسترول، بغرض وقف ترسبه في شكل صفائح ورقائق على جدران الشرايين، مسببا ضيقه وربما انسداده التام. أي أن الهدف لم يكن العلاج، من خلال إزالة هذه الترسبات واستعادة تدفق الدم بشكل طبيعي، بل مجرد وقف المزيد من التدهور والانسداد. هذا الوضع ربما يتغير في المستقبل، بسبب نتائج الدراسة سابقة الذكر، والمتوقع لها أن تنشر في الدورية الطبية المرموقة التابعة للجمعية الطبية الأميركية (Journal of American Medical Association). حيث اكتشف الباحثون أنه بعد مرور عامين من العلاج المكثف والمستمر، تراجع حجم الصفائح الدهنية على جدار الشريان بمقدار 7% في المئة، مع حدوث نسبة أكبر من التراجع في الأماكن الأكثر تصلبا. وهو ما يعني أن العلاج المكثف لم ينجح فقط في وقف تراكم الدهون على الجدار، بل تسبب أيضا في انكماشها، مانحا الدم مساحة أكبر للمرور في وسط الشريان.
ولكن في خضم هذه الآمال، تطل الشكوك أيضا برأسها. فبداية، تعرض عقار الكريستور لانتقادات حادة في ما مضى، تتعلق بدرجة أمانه، ومدى تسببه في بعض المضاعفات الخطيرة. وفي ظل هذه الجرعة الهائلة (40 مليجراما)، يؤمن الكثيرون بأن معدلات ظهور تلك المضاعفات ستتزايد بشكل مطرد. وفي إحدى تلك المضاعفات، يحدث انحلال في عضلات الجسم، يؤدي بدوره إلى الفشل الكلوي، وربما إلى الوفاة أيضا. وعلى الرغم من أن هيئة الأغذية والعقاقير الأميركية قد منحت الكريستور دعمها العام الماضي، إلا أن المجتمع الطبي لا زال ينظر إليه بعين الحذر. وهو الحذر الذي يظهر نفسه في حقيقة أن 97% من مبيعات العقار، هي من جرعات أقل من 20 مليجراماً، بينما لا زالت الحكومة اليابانية ترفض ترخيص أي جرعة أكبر من 20 مليجراماً في اليابان. هذا الموقف لابد وأن تصطدم به أية محاولة