خلال المعركة الحامية التي حدثت بيننا وبين الغرب -والدانمرك خصوصاً- إثر نشر الرسوم المسيئة لرسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، وقعت حادثتان كبيرتان في المنطقة العربية، الأولى: تفجير المراقد المقدسة لدى إخواننا الشيعة في سامراء، والثانية: الهجوم على منشأة نفطية في شرق السعودية!
والحادثتان من صنع عربي وإسلامي، والذين يحاولون أن يقذفوا بجُرم التفجيرات في المراقد بسامراء على "الأجانب"، إنما يحاولون الإيغال في تبادل الاتهامات و"تحيير" الرأي العام، وتشتيته عن لُب القضية الأساسية في العراق، وهي النزاع السني-الشيعي حول تقاسم "كعكة" العراق، بعد تبدّل الأوضاع منذ دخول القوات الأميركية في ذاك البلد، وإسقاط نظام صدام حسين.
الحادثتان لم تأتيا من فراغ، ولم تكونا أبداً "ترفاً" عقائدياً! بل إنهما من النوع المُخطط له جيداً، والمؤمَن به جيداً، لذلك فلابد من الاعتراف بأن المجتمع العربي يعيش حالة جديدة من الصراع المحلي، لا دخل للاستعمار، أو القوى الأجنبية فيها. وهذا يتطلب رؤية تحليلية لواقع الإنسان العربي في منطقة الخليج، وهمومه وآماله. ولا نحتاج في هذا الوقت بالذات إلى مقالات تمجيد "بطولة" هذا الطرف أو ذاك، أو الإشارات العنيفة التي لا يمكن إلا أن تصبّ الزيت على النار التي وصلت إلى تحت أنوف بعض الذين اعتقدوا بأنهم آمنون!
فنحن لم نكد نحصل على اعتذار من الجهات الدانمركية حول "الغوغائية" وسوء استخدام الحرية في قضية الكاريكاتير، وتطوّع علماؤنا الأفاضل بنشر مبادئ الدين الإسلامي وقيم الخير والتسامح والمحافظة على الأمن وحرية الديانات والمعتقدات، حتى ظهرت الحادثتان، لتقلبا الطاولة، وتناقضا كل ما قيل من رسائل لجذب التأييد العالمي للمسلمين والعرب في قضية الرسوم المسيئة لنا ولعقيدتنا.
بالنسبة للحادثة الأولى.. (تفجير المراقد في سامراء)، فإنها تحمل دلالات الكراهية والحقد الدفين بين الطرفين المتقاتلين حول المراقد المقدسة. وهو نزاع أسطوري قديم، لا يمكن إصلاحه أو إيجاد حل له، حيث لا يحاول أي فريق التخلي عن مواقفه ومبادئه تجاه الخلاف الأسطوري الذي مضى عليه ما يقارب 15 قرناً.
ولم يظهر هذا الخلاف بصورته الحالية إبّان حكم صدام حسين الديكتاتوري! وهي حالة مُبررة. أما لماذا يظهر اليوم، وقد يستمر طويلاً، فلأن بعض الاحتقانات في العراق لا تعود إلى حكم صدام فقط، ولا إلى الملكية، بل إلى عمق التاريخ! يظهر اليوم هذا النزاع الدموي، لسببين: الأول: الانتقام.. انتقام كلا طرفي النزاع من الآخر في مناخ تداعي أسوار الأمن. الثاني: زيادة أعضاء نوادي الموت.. واستعدادهم للقيام بأية عملية تساند وجهة نظرهم وإن كانت إبادة أرواحهم وأرواح الأبرياء حولهم.
أما لماذا تظهر الحادثة الثانية في شرق السعودية، بعد سنوات طويلة من الأمن والطمأنينة في ذلك البلد؟ فذلك راجع إلى التنسيق بين أعضاء نوادي الموت في أكثر من بلد من بلدان المنطقة. وهو أمر تساهم فيه الإنترنت بشكل كبير. أما السبب الثاني، فهو الرؤية السوداوية للأفراد اليائسين -الذين يناصبون الدولة العداء- لربما بهدف "إفشال" المشروع الإصلاحي في المنطقة، وزعزعة الأمن، وهو اتجاه يلتقي بما يقوم به أعضاء نوادي الموت في العراق، والهدف لا شيء!
فمن الناحية الاستراتيجية والدولية لن تقوم "دولة الخلافة"، لا في بغداد ولا في غيرها، لأن العالم اليوم محكوم بـ"نواميس" محددة وواضحة لا تسمح باهتزازات تعيد البشر إلى ثقافة "النكوص" أو تبعات "الخروج" التي ساندتها بعض الدول، ثم اكتشفت خطأ ما قامت به.
ومن الناحية الاجتماعية -وإن كانت هناك اختلافات حول ممارسة السلطة في بعض الدول- فإن معظم شعوب المنطقة لا يؤمنون بلغة العنف ولم يمارسوها سابقاً، ولا يريدون الرجوع إلى الوراء بعد أن حققوا نوعاً من مكتسبات التحضر. وأن ما يجري يُفشّل جهود الليبراليين -المؤمنين بتحضّر مجتمعاتهم- بعد أن "لانَتْ" بعض الأنظمة وخطت خطوات -لنقل عنها إنها مقبولة- تجاه الديمقراطية، وحرية الرأي، وإقامة مؤسسات المجتمع المدني.
ومن الناحية الاقتصادية، فإن تفجير منشآت نفطية هنا أو هناك، لن يلزم الحكومات بتوصيل أنابيب النقود إلى البيوت، أو فتح خزائن الدول لـ"يعبّ" منها هؤلاء، تحت دعاوى "عدالة توزيع الثروة". ونحن لسنا ضد مطلب عدالة توزيع الثروة، لكننا نختلف مع وسيلة المُطالبة! فالشعوب، لا يمكن -في ليلة واحدة- أن تحقق "المدينة الفاضلة"، حتى وإن كان جميع أفراد الشعب من الأفلاطونيين، وهم حتماً ليسوا كذلك! لكن استعجال بعض أعضاء نوادي الموت، وغوغائية البعض الآخر، هو الذي يُفشل جهود الليبراليين في إقناع الحكومات بالتغيير، وإنشاء مؤسسات المجتمع المدني، ودعم الحريات، وتبديل النظرة تجاه الآخر! بل ومحاسبة الحكومات إن كان أداؤها لا يناسب المرحلة الحالية.
إن تفجير المنشآت النفطية يؤثر أولاً على الاستقرار في المنطقة، ولذلك تبعات كثيرة، لعل أبسطها: طرح فكرة إحلال قوات دولية لحماية المنشآت النفطية، وهذا يُدخل ال