إن ما يحدث في أسواق الأسهم الخليجية هذه الأيام لا يعدو كونه حركة تصحيحية صحية ومطلوبة باتفاق معظم الخبراء والمتخصصين، الذين يعتبرون ما تشهده أسواق الأسهم من تراجعات جماعية يعد "عملية تنفس" طبيعية يحتاجها السوق بعد الارتفاع القياسي وغير المبرر الذي شهدته أسعار الأسهم الخليجية خلال العامين الماضيين، على وجه الخصوص. وعلى هذا الأساس لا يمكن -بأي حال- اعتبار هذا التراجع السريع والكبير في القيمة "السوقية" للأسهم "انهيارا"، كما تحاول العديد من وسائل الإعلام وصفه أو تصويره ضمن "مانشيتات ساخنة" والقول بأن ما حدث هو إعادة إنتاج لأزمات سابقة شهدتها بعض أسواق الأسهم سواء ما حدث في المنطقة أو في مناطق أخرى من العالم في سنوات سابقة، فضلا عن تلوين الحدث بألوان سوداء قاتمة وكارثية تثير رعب المستثمرين. وبصرف النظر عن الاختلاف الكبير حول مفهوم "الانهيار" نفسه لغويا وفنيا، فإن أسواق الأسهم الخليجية لا يمكن لها أن تنهار، بأي من هذه المفاهيم المتباينة، في ظل أسس مالية واقتصادية متينة تستند إليها الشركات المدرجة في هذه الأسواق، وهي تعمل تحت مظلة اقتصادات قوية وسيولة مالية ضخمة تتمتع بها الدول الخليجية حاليا، يدعمها ارتفاع كبير في أسعار النفط.
رغم التقديرات التي تشير إلى أن حجم الثروات التي تدار الآن في البورصات الخليجية يقدر بنحو تريليوني دولار، أو ما يزيد على ثلاثة أضعاف حجم الناتج المحلي الإجمالي للدول الخليجية الست مجتمعة، فإن الأزمة التي تعيشها الأسهم الخليجية حاليا لن تكون لها إلا انعكاسات سلبية محدودة جدا على واقع الاقتصاد الكلي لهذه الدول، بعكس الواقع المتشائم الذي يحاول البعض تصويره. فالربط بين أسواق الأسهم الخليجية وعجلة التنمية الاقتصادية، ما يزال واهيا جدا، وسيظل كذلك طالما ظلت هذه الأسواق جزرا معزولة عن المحيط الاقتصادي من حولها، وطالما ظل أساس التعامل في هذه السوق هو المضاربة عن وعي اقتصادي كافٍ، التي جرت هذه الأسواق بعيدا عن الأهداف التنموية الحقيقية التي تقام بسببها هذه الأسواق في الأساس.
لاشك أن أزمة الأسهم الخليجية نجمت عنها خسائر فادحة على مستوى الأفراد، بعد أن انتشرت حمى الأسهم في كل البيوت الخليجية، مستقطبة نحو تسعة ملايين شخص يملكون أسهما في الشركات المدرجة في أسواق الأسهم، وما يزيد على نصف هذا العدد يمارسون التجارة في الأسهم بشكل منتظم. إلا أن ما يضاعف من هذه الخسائر هو الأثر التوزيعي لها، إذ أن ما حققه أو ما سيحققه أحد "هوامير" السوق من أرباح، يوزع في شكل خسائر على عدد كبير جدا من صغار المستثمرين، بحكم المنطق الذي يتعامل به السوق، وهو أن أي خسارة لطرف من الأطراف تمثل أرباحا لطرف آخر أو للطرف الأول نفسه. وبصرف النظر عن هذه الخسائر الفردية، وأثرها التوزيعي السلبي في مستويات الدخل، ستظل الاقتصادات الخليجية تحقق معدلات نمو قوية خلال هذا العام، بناء على معطيات إيجابية عديدة، تتجاوز هذه السلبيات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبارالساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية