حديث النخب السياسية والمثقفين هذه الأيام بل حديث المؤتمرات والندوات في معظم الدول العربية يكاد يدور حول موضوع واحد هو "التحولات" والحراك السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الدول العربية عموما ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بشكل خاص.
وفي الواقع كانت لهذا الطرح "نكهة" سياسية خاصة في المؤتمر السنوي الحادي عشر الذي نظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تحت عنوان "التحولات الراهنة ودورها المحتمل في إحداث التغيير في العالم العربي" والذي اختتم أعماله يوم أمس، فالتناول كان مميزاً والحضور كان كثيفا حتى في آخر جلساته والنقاشات كانت أكثر إثارة وفتحت آفاقا رحبة أمام الباحثين والمتخصصين والمهتمين بهذا الشأن، ولكني شخصياً أبدي اهتماما بما توصل إليه أغلب المؤتمرين وهو: أن أنشط حراك اجتماعي سياسي في البلدان العربية هو ذلك الذي تشهده دول مجلس التعاون الخليجي. ورغم أن أول من طرح هذا الرأي في المؤتمر هو الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية عبدالرحمن العطية، إلا أنه تكرر –هذا الرأي- أكثر من مرة وهو ما أحدث ثورة وتغييراً في التفكير النمطي عند العديد من الباحثين والأكاديميين خاصة العرب فيما يخص قضية التنمية الشاملة في دول مجلس التعاون. فالصورة التقليدية التي كانت سائدة أن التنمية في دول الخليج لا تخرج عن الإطار الاقتصادي ولا سيما النفطي فقط، وكأن الخليج "ليس إلا نفطا" بينما ظل الحديث عن بقية مجالات التنمية الأخرى مثل المشاركة السياسية وحرية التعبير غائبا أو على أبعد التقديرات يجري على استحياء مما أدى بالتالي إلى الاعتقاد بأن إمكانية تأثير المواطن الخليجي في صناعة القرار السياسي ستبقى مستبعدة في هذه الدول على الأقل خلال المدى المنظور.
جرت العادة أن تركز المنتديات على التطور الاقتصادي في دول الخليج دون السياسي والاهتمام بمدى تأثير ذلك على الاقتصاد العالمي وكأن الدول العربية قسمت إلى جزأين ونالت دول المجلس الجزء الاقتصادي في حين استبعد الحديث عن الحراك الاجتماعي والسياسي الخليجي أو بالأدق في معظم دول الخليج لسنوات طويلة مضت.
لاشك أن هناك اختلافا بين البلدان العربية وبين إقليم عربي وآخر في كيفية تطبيق التنمية الشاملة فالذي يصلح لدول المغرب العربي لا يصلح بالضرورة لدول مجلس التعاون ولكن من خلال متابعتي لمعظم الأوراق التي طرحت في فعاليات المؤتمر يجمع الخبراء على التشابه الكبير بين الأنظمة الخليجية ونسيجها الاجتماعي في تطبيق الإصلاح السياسي وأن العامل المشترك بين هذه الدول الست هو أنها أكثر مرونة من غيرها من الدول العربية في تطبيق التنمية السياسية خاصة وهو ما يؤكد في الجانب المقابل لهذه الطروحات أنها تختلف عن باقي البلدان العربية فيما يعرف بـ"الخصوصية الخليجية".
وأعتقد أنه إذا ما سارت دول التعاون على وتيرتها الراهنة في الإصلاح وحافظت على قوة الدفع الحالية فإن ذلك سيسمح لها بامتلاك ميزة التأثير النسبي في المحيط العربي وبذلك تكون دول الخليج هي صاحبة زمام المبادرة في التنمية السياسية كما هي الآن صاحبة القيادة الاقتصادية بحيث تمتلك جناحي التنمية؛ السياسية والاقتصادية. ولعل ما يعزز من فرص تحقق هذا السيناريو أن الشكوك لا زالت تخيم على فرص نجاح "التجربة العراقية" التي روج لها باعتبارها نموذجا للديمقراطية العربية بالإضافة إلى سبب آخر يتمثل في تراجع دور "دول المركز" لمصلحة تنامي دور دول صغيرة بحسابات المنطق التقليدي؛ دول قائدة ودول تابعة.
إذن نحن بصدد احتمالية جديدة تفرض نفسها على الواقع العربي وهي أن تصبح دول مجلس التعاون في موقع قيادة العملية التنموية الشاملة، وأعتقد أن الرهان على العنصر البشري سيصبح ورقة تعزز كفة هذه الدول في المرحلة المقبلة فتنمية الموارد البشرية الخليجية باتت أفضل حالا مقارنة بباقي البلدان العربية.