هل يتعين على العالم أن يحبس أنفاسه استعدادا للمرحلة الأصعب من المواجهة حول الملف النووي الإيراني؟ بدأت هذه المرحلة الصعبة بالفعل بتحويل الملف إلى مجلس الأمن, ومن المرجح أن يتبنى المجلس سيناريو التصعيد التدريجي, يبدأ ببيان رئاسي يحض إيران على الامتثال لمطالب وكالة الطاقة الذرية, ثم يأخذ بعد مرور فاصل زمني معين بفكرة العقوبات. وقد تتدرج العقوبات ذاتها من حيث الشدة, وصولا إلى التهديدات العسكرية, في أسوأ الحالات وبعد فاصل زمني أطول. ومن الواضح أن سيناريو المواجهة هو الأسوأ للجميع, فالمواجهة حتى على الصعيد الاقتصادي البحت ستحدث خضة كبيرة في سوق النفط العالمي, وقد تدفع إلى أزمة اقتصادية عالمية, فضلا عن تعميق أزمة الفراغ القانوني في النظام الدولي. ولهذا تصور أكثر المراقبين أن الفاعلين المباشرين سيتراجعون في اللحظة الأخيرة, خشية الوصول إلى طريق المواجهة الخطر.
والآن, لا ك أن الجميع يراجعون حساباتهم خشية أن يكون فاتهم شيء في حساب الاحتمالات والنتائج, ولكنهم يكتشفون مجددا أن بعض الأمور لا يمكن حسابها, وأن بعض الأمور تعمل بطريقة مخالفة للانطباعات السائدة, وأن بعض الأمور هي أقرب إلى الحملات النفسية والتكتيكات الصراعية منها إلى الحسابات الدقيقة. لنبدأ بهذه الأخيرة. فمن المحتمل أن تكون إيران قد فضلت أن تواصل إلى آخر لحظة زمنية ممكنة "لعبة حافة الهاوية", لتتوصل إلى أفضل صفقة ممكنة واقعيا. ولهذا تقبل المخاطرة, وتقوم بشن حرب نفسية كبيرة لإجبار الطرف الآخر على تقديم أعظم تنازلات ممكنة, وبالذات فيما يتعلق بحق إيران في إجراء البحوث النووية, وهو الموضوع الذي تتشدد فيه الوكالة بدون مبرر كافٍ.
ولكن من الصعب أحيانا حساب ما هي اللحظة الأخيرة. فتكتيك حافة الهاوية ينطوي دائما على عامل تقديري فيما يتعلق بالزمن. ومن المحتمل جدا أن يكون الزمن قد فات بالفعل, بمعنى أن إيران قد لا تحصل أبدا على صفقة أفضل مما عرضه عليها الروس مثلا. ويمكن أن يقال نفس الأمر بالنسبة للأميركيين والغربيين, إذ قد يحصلون على أزمة سياسية ونفطية واقتصادية أكبر وربما أعمق وأطول زمنيا مما قدروه لقاء تشددهم الواضح مع إيران. وفي الحالتين ثمة درجة كبيرة من عدم التأكد, ذلك أن مشكلة "حافة الهاوية" هي أنك لا تعرف ما إذا كان التكتيك نجح أم لا حتى تجد نفسك بالفعل في الهاوية, أو تكون حصلت بالفعل على صفقة أفضل.
بعض الأمور قد تبدو على خلاف طبيعتها, وهذا يصدق بالذات لو قرر مجلس الأمن في مرحلة تالية الأخذ بالعقوبات. فالواقع أن هذا السيناريو يعد أفضل من وجهة نظر إيران من عجز المجلس عن الأخذ بالعقوبات. فسيناريو العقوبات يعني أن العمل العسكري الأميركي- الإسرائيلي سيكون مؤجلا. والعقوبات الرمزية والاقتصادية تتيح لإيران الرد المحسوب بالمقدار المناسب, بينما العمل العسكري ضدها يجبرها على التصعيد بأكثر مما تريد فعليا.
وبالمقابل قد يبدو أن العمل العسكري أفضل لأميركا- إسرائيل من العقوبات. فأياً كان الرد الإيراني فهو سينتهي في وقت ما بعد أن تكون البنية الأساسية للبحوث وللطرد المركزي والمعالجات الأخرى للمواد النووية قد أزيلت ويصبح من الصعب تعويضها. ولكن العمل العسكري فيه عيوب كثيرة أهمها معارضة المجتمع الدولي. ومن ناحية أخرى, فثمة مخاطرة لا يمكن حسابها, ومنها طبيعة الرد العسكري الإيراني ونتائجه النفسية والسياسية في الإقليم العربي وفي العالم الإسلامي. وهناك مشكلة حساب الأمد الزمني اللازم لإيران لصنع قنبلة. فبينما يقدر الخبراء هذا المدى بين ثلاث وخمس سنوات فقد تكون هذه التقديرات بعيدة عن الدقة, وقد تتمكن إيران من صنع قنبلة في غضون ستة أشهر مثلا, وهو ما يجعلها تتحمل العقوبات الاقتصادية لقاء هذه الجائزة الكبرى.
ولكن مشكلة أميركا أعمق من مجرد توقع نتائج سلبية للعقوبات على الاقتصاد العالمي. فالحقيقة هي أنها لم تقدم حجة محددة لأسباب اتخاذها لسياسة متشددة تجاه إيران حتى لو صدقت مقولة أن لديها برنامج تسليح نووي سري. إذ يستحيل أن يقتنع أحد بأن إيران حالة خاصة بالمقارنة مع الهند وباكستان، وإسرائيل. كما أن الجميع في العالم كله يقولون الآن أكثر من أي وقت مضى إن أميركا لا تملك "سياسة حظر انتشار" تستحق الاحترام.
وبالمقابل فإنه يبدو أن إيران ترتكب أخطاء كبيرة في إدارة الأزمة بل وفي الحساب الفني للأوراق التي تملكها, ومنها ما يلي:
أولا: خطأ الوصول إلى مستوى تحدي النظام الدولي ككل. فلم يحدث أن انتصرت دولة واحدة وضعت نفسها في حالة مواجهة أو تحدٍّ مع الدول الخمس دائمة العضوية. وهنا تخلط إيران بين تردد بعض هذه الدول في الأخذ بالعقوبات وموقفها الموضوعي الذي يتفق مع الأميركيين فيما يتعلق بمضمون المشكلة: أي ضرورة حرمان إيران من فرصة امتلاك أسلحة ذرية. ففي نهاية المطاف سوف تضطر هذه الدول المتحفظة على العقوبات إلى الأخذ بها, وهو ما يعزل إيران موضوعيا, ويجعل انتصار أميركا المادي في المواجهة مسألة وقت.
ثانيا: هناك مبالغة شد