يبدو أن بعض الأميركيين في الولايات المتحدة ما يزالون يعتقدون أن أحدا لا يعيش على هذا الكوكب غيرهم ولا يعرفون من العالم إلا الولايات المتحدة.. وكأن العالم اختزل في تلك القارة البعيدة التي لم يمضِ على اكتشافها أكثر من 500 عام... لذا فإن "بعضهم" يتعاملون مع غيرهم من دول العالم من منطلق أنهم كل شيء والآخرين لا شيء... ويكون صعبا عليهم جدا أن يقبلوا ظهور دولة غربية كانت أم شرقية تتفوق عليهم في مجال من المجالات –على الرغم من أن العالم بأسره يعترف للولايات المتحدة بنجاحها في اغلب المجالات- وموقف كثير من السياسيين الأميركيين من صفقة (مواني دبي العالمية - بي أند أو) غريب جدا ومبررات المهووسين بالأمن مختلقة وغير مقنعة.. وغريب ألا يدرك المتحججون بالأمن أن "موانئ دبي" التي ستدير تلك الموانئ ستكون أكثر حرصا حتى من الأميركيين على أمنها وسلامتها لأنها تدرك مدى الإحراج وحتى الخطر الذي ستكون فيه لو أصاب تلك الموانئ التي تحت إدارتها أي مكروه أو ترصدت لها أية جهة مغرضة وقامت بعملية تخريب فيها.
عندما اتجهت "موانئ دبي العالمية" نحو الولايات المتحدة لم يكن هدفها إلا الاستثمار وتوسيع نطاق عملها.. ويفترض أن يدرك الأميركيون الذين رفضوا صفقة موانئ دبي العالمية لإدارة ستة موانئ في الولايات المتحدة –نيويورك ونيوجيرسي وفيلادلفيا وبالتيمور ونيوأورلينز وميامي- أنهم أخطأوا في حق أنفسهم أولا، وفي حق الاتفاقيات الدولية ثانيا، وفي حق شركة لها سمعتها العالمية ثالثا، من خلال التشكيك في إمكانية حدوث أي مكروه لأميركا من خلال هذه الإدارة، فالمسؤولون في "موانئ دبي" كانوا دائما حريصين على الاحتفاظ بعلاقات متميزة مع الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم لذا لاحظ العالم المرونة من جانب الشركة الإماراتية تجاه موقف الكونجرس الأميركي المتصلب والرافض لتولي شركة عربية إدارة موانئ أميركية... ويبدو للجميع أن أعذار المعترضين غير مقبولة أبدا.
كنا نتمنى ألا تكون هذه الصفقة "ضحية" صراعات داخلية بين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري ولكن من خلال المزايدات التي نسمعها من الواضح أن هذه الصفقة كانت وسيلة جيدة لتصفية حسابات بين الجناحين المتنافسين بقوة على نيل رضا الشعب الأميركي الذي صار يتأثر بشكل كبير بأي خبر يرتبط بتهديد أمنه واستقراره.. كما أنه من الواضح أن الرافضين يخشون أن يؤثر موقفهم الايجابي تجاه هذه الصفقة على نتائج الانتخابات التشريعية المقررة في نوفمبر القادم بسبب عدم شعبية الصفقة في الشارع الأميركي.
الأميركيون أرسلوا إلينا من خلال موقفهم تجاه هذه الصفقة رسالة سلبية وهي أنهم لا يثقون بالعرب وأنهم لا يريدون أن يتعاملوا مع العرب إلا من خلال دباباتهم وطائراتهم وجنودهم وقراراتهم الفوقية... أما السياسة والاقتصاد والاستثمار والمال والأعمال والتكنولوجيا والتعليم وغيرها من مجالات الحياة فإنهم لا يريدون أية شراكة فيها مع العرب!! وهذه رسالة خطيرة جدا على المدى البعيد.
غاب عن المتاجرين بالأمن الأميركي أن "موانئ دبي العالمية" تعمل في واحدة من أكثر الدول العربية أمنا –والحمد لله- وانفتاحا وتقبلا للآخر.. ومن أكثر دول العالم التي نجحت في توفير مناخ متميز للتعايش بين أغلب جنسيات العالم التي هي موجودة على أرضها.. وربما يجهل أولئك أن الأمن في الإمارات مستقر بفضل قيادة هذا البلد التي تتمنى الاستقرار والأمن لكل دول العالم.
سعي البعض داخل الولايات المتحدة إلى تخويف الأميركيين واستغلال الهاجس الأمني لديهم بشكل مستمر عمل غير جيد وغير مفيد وما يقوم به البعض من عزل الولايات المتحدة عن العالم سيجعل من هذه الدولة العظيمة في إنجازاتها للبشرية جزيرة معزولة عن العالم وخائفة من أي جديد يقترب منها.
وكانت مجلة "تايم" قد كشفت أنه ليست هناك مخاوف حقيقية عندما ذكرت أن شركة "موانئ دبي العالمية" تؤمن خدمات لـ12 مرفأ أميركياً وللجيش الأميركي.. كما أنها اشترت في يناير الماضي شركة (آي إس إس) البريطانية التي تشمل أعمالها تأمين خدمات لمرافئ أميركية.. وفضلا عن ذلك فإنه على الرغم من أن كثيرا من الموانئ الأميركية تديرها شركات أجنبية، إلا أن حرس السواحل يسيطرون على كل جوانب الأمن فيها، والدخول والخروج.. كما أن جهاز الجمارك الأميركي هو المسؤول عن تفتيش الحاويات، كما أن عمال الشحن والتفريغ ما زالوا يتعاملون مع البضائع... أما الشركة المسؤولة عن إدارة الميناء فإنها تشرف على حركة السفن من وإلى الميناء، وتتأكد من إجراء عمليات الشحن والتفريغ بالصورة المطلوبة فأين الخطورة في هذا الدور الإداري المحدود؟!
لم يعد أمام الأميركيين اليوم إلا أن يعترفوا بأن هذا العالم يتغير وليس كل التغييرات التي تحدث في صالح الولايات المتحدة أو الغرب فهناك تغييرات كثيرة صارت في صالح الشرق والدول الصغيرة في العالم، لذا فمن الحكمة أن تتعامل الولايات المتحدة مع هذه التغيرات بواقعية وليس من منطلق الوصاية على العالم ورفض أية منافسة شريفة لها في أ