أدت ميشيل باشلييه، الاشتراكية وطبيبة الأطفال والسجينة السياسية والمنفية السابقة، اليمين الدستورية يوم السبت الماضي كأول رئيسة منتخبة لدولة تشيلي في أميركا اللاتينية، كتتويج لرحلتها الطويلة والمؤلمة من النضال ضد القمع والديكتاتورية في تشيلي.
وكانت باشلييه، 54 سنة، قد انتخبت لفترة رئاسية مدتها 4 سنوات بعد أن فازت بنسبة 53,5 في المئة من الأصوات في انتخابات الإعادة التي جرت في تشيلي خلال شهر يناير الماضي. علاوة على ذلك، يعد صعودها لسدة الحكم هنا علامة بارزة في عالم السياسة بأميركا اللاتينية. فرغم أن هناك ست سيدات قد سبقنها إلى منصب الرئاسة في دول القارة، فإن باشلييه، وهي أم لديها 3 أبناء، تعد أول امرأة تتولى منصب الرئاسة في أميركا اللاتينية، دون أن تكون زوجة رئيس أو زعيم سياسي سابق حيث صنعت مستقبلها بيديها ودون مساعدة من أحد.
وباشلييه هي ابنة لجنرال سابق في القوات الجوية، كان قد اعتقل بتهمة الخيانة، ومات في السجن بعد أن استولى الجنرال بينوشيه على السلطة عبر انقلاب دموي ضد الرئيس اليساري المنتخب سلفادور إللندي، بدعم من الولايات المتحدة عام 1973. وفي عام 1974 تم القبض على ميشيل باشلييه مع أمها وتعرضت للسجن والتعذيب خلال عام كامل.
وفي بلد تمتلك فيه الكنيسة الرومانية الكاثوليكية سلطة كبيرة، لا تجد باشلييه حرجا في إعلان عدم تدينها واعتناقها لمذهب "اللاأدرية". وعلاوة على ذلك فقد وعدت باشلييه بتشكيل حكومة تركز على العدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان في المقام الأول، وصرحت خلال حملة الانتخابات الرئاسية بالقول إن أولوياتها المباشرة هي التوزيع العادل للثروة الوطنية وإصلاح نظام السجون في البلاد، والذي يتعرض لانتقادات متزايدة من جانب الشعب.
وحتى قبل أن يتم افتتاح مبنى الكونجرس التشيلي في منطقة "فالبارايسو"، كانت باشلييه قد وفّت بوعد من الوعود التي قدمتها أثناء حملتها الانتخابية، ألا وهو المساواة بين الجنسين في الوصول إلى الوظائف الحكومية، وذلك بعد أن قامت بتعيين مجلس وزراء مكون من 10 وزراء و10 وزيرات، كما قامت بتعيين محافظين لمناطق البلاد المختلفة على نفس الأساس تقريبا. ويوم الأربعاء الماضي، وبمناسبة يوم المرأة العالمي، قالت باشلييه إنها تنوي تطبيق هذا المبدأ أيضا ليشمل جميع التعيينات الرسمية، وقالت: "لقد أعطيت تعليمات واضحة بهذا الخصوص، وإنني انتهز مناسبة عيد المرأة، كي أعلن أن تشيلي ستكون أول دولة في أميركا اللاتينية يطبق فيها مبدأ المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في تولي الوظائف الرئيسية بالقطاع العام".
بيد أن هناك تعيينا واحدا من تعيينات باشلييه هو الذي أثار جدلا حقيقيا يرجع لأسباب إيديولوجية بحتة. فقد اختارت باشلييه لمنصب نائب وزير الدفاع لشؤون القوات الجوية "راؤول فيرجارا مينيسيس"، وهو ضابط سابق بالقوات المسلحة التشيلية، كان رفيق زنزانة لوالدها عندما قضى الأخير نحبه في السجن، كما تولى في فترة لاحقة عندما كان في المنفى في نيكارجوا خلال ثمانينيات القرن الماضي، منصب قائد القوات الجوية في حكومة "الساندينيستا" اليسارية.
وبعد هذا التعيين قامت الأحزاب اليمينية التي كانت تساند حكم الجنرال بينوشيه الديكتاتوري، والتي سبق لها أن أعربت عن شكوكها بأن باشلييه تنوي توجيه دفة البلاد يسارا، بالاعتراض بقوة على ذلك التعيين. ورغم هذا الهجوم تمسكت باشلييه بموقفها، وقام "فيرجارا مينيسيس" بالدفاع عن نفسه بالقول إنه الوحيد في القوات الجوية التشيلية الذي يمتلك خبرة قتالية حقيقية وإن جنرالات القوات الجوية الكبار لا يمتلكون مثل هذه الخبرة.
يذكر أن 30 زعيما من أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي وأفريقيا والأوقيانوس قد اجتمعوا هنا في حفل تنصيب باشلييه الذي يعقد بعد مرور 16 عاما على اليوم الذي تخلى فيه الجنرال بينوشيه عن السلطة في البلاد.
وكانت الولايات المتحدة ممثلة في هذه المناسبة من قبل وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس التي وصلت إلى تشيلي يوم الجمعة بعد أن أدلت بتصريح قالت فيه إن واشنطن تتطلع إلى إقامة "علاقة ممتازة" مع حكومة باشلييه. ومن المقرر أن تلتقي رايس عدة زعماء من أميركا اللاتينية، بعد أن التقت يوم السبت الماضي بالرئيس البوليفي "إيفو موراليس" الذي تولى الحكم في بلاده في شهر يناير الماضي. ومن المعروف أن موراليس حليف لأشرس منتقدي إدارة بوش في أميركا اللاتينية وأعلاهم صوتا وهو الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز الموجود هنا أيضا ولكنه رفض الالتقاء بأي مسؤول من الولايات المتحدة.
وقد اشتكى موراليس الذي كان يشغل في وقت ما رئيس اتحاد مزارعي الكوكا في بوليفيا ما أطلق عليه حملات "التهديد والتخويف" التي تمارسها الولايات المتحدة ضد حكومته، بعد أن أعلنت واشنطن قطع معونتها العسكرية لبوليفيا والبالغة 500 ألف دولار سنويا.
لاري روثر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مراسل "نيويورك تايمز" في سانتياجو
ينشر بترتيب خاص مع "نيو