تشير آخر استطلاعات الرأي إلى أن المشاعر المعادية للعرب والمسلمين في الولايات المتحدة هي أكثر انتشارا اليوم مما كان عليه الحال في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. وقد غذت هذه المشاعر السلبية الجدل الدائر حول صفقة "موانئ دبي" مثلما غذتها الطريقة غير المناسبة التي جرت بها مناقشة الموضوع. فحسب استطلاع للرأي أجرته مؤخرا صحيفة "واشنطن بوست"، يحمل معظم الأميركيين اليوم نظرة سلبية تجاه الإسلام (43 في المئة إيجابية، و46 في المئة سلبية). وتمثل هذه الأرقام انخفاضا بعشر نقاط في المواقف الإيجابية وزيادة للمواقف السلبية مقارنة مع نتائج استطلاعات الرأي غداة أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
وهو أمر يعني أن مشاعر العداء هذه، رغم حالة السكون التي تكون عليها أحيانا، تظل متقدة تحت السطح قابلة للظهور أوقات الأزمات أو لأن يتم استغلالها من قبل الديماغوجيين. وهذا بالضبط ما حدث بخصوص الجدل الذي دار مؤخرا حول صفقة شركة "موانئ دبي العالمية"، حيث عزف كل من الديمقراطيين والجمهوريين على وتري الأمن والخوف، مستغلين المشاعر المعادية للعرب عموماً. وعندما أبديت هذه الملاحظة منذ بضعة أسابيع تلقيت سيلا من الردود والرسائل الإلكترونية التي تقول بعدم صحة ما ذهبت إليه، والواقع أن الكثير منها كان ينضح بالتعصب والحقد الأعمى، إلا أنها أفادتني مع ذلك في التدليل على استقامة ملاحظتي.
والواقع أن هذا السجال يقوم في جزء كبير منه على استغلال الجهل والأفكار الجاهزة لتحقيق مآرب سياسية. وقد كان مستشار البيت الأبيض "ارل روف" أول من أعلن انطلاق الجولة عندما أعلن خلال مؤتمر للحزب الجمهوري أن الجمهوريين سيراهنون مرة أخرى في نوفمبر 2006 على ورقة "الأمن القومي" للاحتفاظ بسيطرتهم على مجلس الشيوخ ومجلس النواب.
والحقيقة أن الديمقراطيين، المتوجسين من هذه الخطة التي كلفتهم انتصارات في 2002 و2004، وجدوا في قضية صفقة "موانئ دبي العالمية" وسيلة سياسية، ذلك أنهم حاولوا لسنوات انتقاد سياسة البيت الأبيض حول قضية أمن الموانئ، ولكن من دون جدوى، إلى أن قدمت لهم هذه القضية فرصة لم يهدروها، فكانت الخطابات النارية والخاطئة، والتصريحات المضللة والمبالغ فيها، ولما كان الأمر يتعلق ببلد عربي، وجدوا جمهورا مصدقا بسذاجة.
ومن جانبه فشل البيت الأبيض في الرد على هذه الادعاءات مبكرا، حيث جاء حديثه متأخرا. وهكذا صدق البعض القصص السلبية رغم بطلانها. وتواصلت الادعاءات الرامية إلى تقديم الصفقة في غير سياقها التجاري الحقيقي. ورغم أنه كثيرا ما كانت هذه الادعاءات تشكل موضوع دحض وتفنيد، إلا أنها وجدت صدى لها في أوساط السياسيين من كلا الحزبين وفي البرامج الإذاعية والتلفزيونية.
وعندما أدرك الجمهوريون ضعف رئيسهم وعجزه عن إنقاذهم، اختار بعضهم الانضمام إلى كوكبة المعارضين، فكان التشريع الذي عرضه بعض الجمهوريين في مجلس النواب بمثابة مسعى دعائي انتخابي لا أكثر. وهكذا، وبعد ثلاثة أسابيع، قيل إن مسؤولي شركة "موانئ دبي العالمية" وافقوا على نقل إدارة الموانئ الأميركية إلى شركة أخرى. إلا أن ذلك لا يعني انتهاء الجدل.
أما بخصوص التداعيات فقد أعلن الجنرال جون أبي زيد، قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط، الأسبوع الماضي أن "هذه الحملة التي تستهدف العرب والمسلمين لم تكن ضرورية"، محذرا من أنها قد تضر بسمعة الولايات المتحدة في المنطقة. ومن جانبه، شدد الرئيس بوش على ضرورة الاحتفاظ بالعلاقات العربية- الأميركية، محذرا من عواقب هذه الحملة التي تنم عن جهل كبير بعلاقاتنا بدول صديقة.
وفي ضوء ارتفاع المشاعر المعادية للعرب في أميركا، والطريقة التي لعب بها بعض الجمهوريين والديمقراطيين ورقة معاداة الأجانب، فيمكن القول إن الولايات المتحدة باتت على شفير هاوية الانغلاق والحمائية. واللافت أن المقالات تشير منذ الآن إلى أن المستثمرين الأجانب أصبحوا يفكرون مرتين قبل الإقدام على الاستثمار في الولايات المتحدة، وهو أمر لا يبعث على التفاؤل.