يقولون في الأمثال "يزول جبل ولا يزول طبع", والظاهر أن هذا المثل الشعبي ينطبق تمام الانطباق على بعض الدول العربية التي ما عادت قادرة على تقبل أن يفلت منها زمام الأمر فيما يتصل بحرية التعبير بعد أن امتلأ الفضاء بالمواقع الإلكترونية التي أتاحت مجالا واسعا وخصبا لمن لا تسمح له الأنظمة العربية بممارسة حرية الرأي على أراضيها.
وقد ظل العالمان العربي والإسلامي المستبدين بالإنسان وحرياته, حيث لا ينال الكاتب من حرية الرأي والتعبير إلا ما تسمح به حكومته, حتى أصبح الأمر في هذين العالمين لا يطاق, وبما وصفه البعض بأن الحرية المتاحة في هذين العالمين لا تكاد تكفي لكاتب واحد لكي يمارس حريته في الكتابة. فضلا عن حرمان كثير من النساء من ممارسة هذه الحرية على المستوى المحلي.
هذا الاستبداد السياسي الذي يمارسه النظام العربي, وخاصة في ظل ظاهرة البترودولار, والذي استخدمه البعض لشراء الضمائر والصحف, ساهم في المزيد من الاستبداد والتحكم, بحيث أصبح صوت المعارضة مقموعا ومخنوقا بفعل هذا الحصار الرسمي, وحتى الدول التي تتيح لمواطنيها هامشاً أكبر من الحريات, ظلت قائمة الممنوعات فيها طويلة, وما عاد بالإمكان نقد النظام السياسي بدون أن يدفع الكاتب المعارض ثمنا باهظا من حريته, بل وحتى لقمة خبزه, وخبز عياله, وحتى أصبح المواطن العربي أعجز من الدجاجة العرجاء, وأذل من الذل ذاته. وأما النساء ومنعهن من الكتابة لأسباب اجتماعية فقد خلق مجتمعا منغلقا ومأساويا بكل المقاييس. ورغم التطور الكبير في وسائل التعليم وازدياد نسبة المتعلمين والحاصلين على مختلف الشهادات العلمية, وتكاثر المدارس على اختلاف درجاتها التعليمية, وتعدد الوسائل الإعلامية, إلا أن الحقيقة التي لا مفر من الاعتراف بها هي أن الحرية المتاحة في العالمين العربي والإسلامي دون الدرجة المفترض وجودها حجماً وكماً. فالرقابة الرسمية على الكتب ومختلف المطبوعات الإعلامية والفكرية, المسموعة والمرئية والمقروءة, قد زادت بدرجة مخيفة منذ منتصف الثمانينيات حتى اليوم, مقارنة بحالة الرخاء النسبي في فترة الستينيات والسبعينيات وبداية الثمانينيات, بفعل هجمة التيار الديني, والحلف المدنس للحريات بين الأنظمة السياسية والجماعات الدينية.
وفي ظل العولمة أصبحت القيود الرسمية على حرية التعبير من ذكريات الماضي, حيث أتاح عالم الإنترنت مجالا خصبا لكي يمارس الإنسان, ذكرا وأنثى, هذه الحرية بلا رقيب ولا حسيب, الأمر الذي ضرب الأنظمة العربية والإسلامية في مقتل. ومن يطلع على هذه المواقع الإلكترونية يجد العجب العجاب وما يأخذ بالألباب في المقالات المنثورة في هذا الكون المتسع بعيدا عن الحكومات العربية, ولكن للأسف لم يطل الأمر كثيرا حتى جندت قوى التخلف العربي جنودها التقنية والمالية لمحاربة حرية التعبير بعد أن أخذت هذه الحرية تصيبها في مقتل, بفضح مساوئها واستبدادها وما تفعله بمواطنيها, خاصة الأقليات الدينية. وكان الحل لدى هذه الأنظمة, ليس مقارعة الحجة بالحجة, والدليل بالدليل كما يفترض في المنافسة الشريفة, بل كان الاستبداد هو السلاح, حيث عملت هذه الأنظمة على إغلاق المواقع ودفع الموالين لها, وخاصة من الجماعات الدينية إلى التقدم بمختلف الشكاوى على هذه المواقع, وحيث إنهم يملكون القوانين ويستخدمونها كما يشاءون, أخذ كثير من هذه المواقع بالسقوط إغلاقا, ومواجهة الأحكام الجائرة ضدها, الأمر الذي أعاق كثيرا منها. ويبلغ عدد المواقع التي تم حجبها في الدول العربية ما لا يقل عن ثلاثمائة موقع!
من المؤلم أن العالم الغربي يسعى جهده لنشر الحريات في الكون, وليس في العالم فقط, والأنظمة العربية والإسلامية تستخدم التقنيات المختلفة وتدفع الأموال الطائلة لمنع هذه الحريات, ثم بعد هذا يتحدثون عن الإصلاح السياسي والاجتماعي, وقد صدق فيهم قول الشاعر أبو الطيب المتنبي:
أغاية الدين أن تحفوا شواربكم يا أمة ضحكت من جهلها الأمم
ومهما يكن فإن ازدياد عدد المواقع وتطور تقنية الاتصالات سيكون في النهاية لصالح التطور الديمقراطي.