إعلان حرب إسرائيلية على إيران هو ما جاء على لسان قائد أركان الجيش الإسرائيلي السابق موشيه يعلون، في محاضرة ألقاها في واشنطن رسم خلالها سيناريوهات الضربة الإسرائيلية المحتملة، فالهجوم المتوقع يمكن أن تشترك به قوات غربية إضافة إلى سلاح الجو الإسرائيلي، معلنا أن على العالم أن يعزل إيران اقتصاديا وسياسيا قبل العملية العسكرية الإسرائيلية. كما أن هجوما إيرانيا مضادا رد فعل متوقع رسمت له إسرائيل كافة الاحتياطات حسب جنرالها السابق، إذ يمكن لإيران أن ترد بصواريخ "شهاب" من أراضيها، وصواريخ "سكود" يطلقها "حزب الله" من الأراضي اللبنانية، وصواريخ "قسام" من الأراضي الفلسطينية، ولكن صاروخ "حيتس" الإسرائيلي يستطيع صدها وأجهزة الدفاع الإسرائيلية شديدة الفاعلية لذا ستكون إسرائيل محمية جدا، على حد تعبيره. سيناريوهات أم خطط حربية أثارت عاصفة لم تهدأ من ردود الأفعال الدولية، إسرائيليا غضبت الأوساط العسكرية من تصريحات جنرالها باعتبارها أسرارا حربية في الوقت الذي لم تنفِ أو تؤكد الحكومة الإسرائيلية تلك التصريحات بل عوضا عن ذلك صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بالوكالة إيهود أولمرت بدبلوماسية بأن إسرائيل تشكل طرفا في الائتلاف الدولي المعارض للتسلح النووي الإيراني. سياسة اللانفي هل تحيلنا لاحتمال حرب قادمة؟ سلسلة ضربات عسكرية على المواقع الإيرانية؟ ضربات قد تشعل فتيل المنطقة بأكملها وتجرها للمزيد من حمامات الدم.
لقد قدمت تلك التصريحات أعظم هدية للحكومة الإيرانية، فالرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد التقط الخيط رافضا التهديدات الغربية قائلا: إن "زمن الترهيب قد ولى وحل زمن إرادة الشعب"، التحام داخلي غير مسبوق لعدو خارجي، تصدير المشكلات الداخلية الإيرانية واختزالها في قضية وطنية هي "الحق" الإيراني بامتلاك تكنولوجيا نووية "سلمية"، والعدو الخارجي الذي يهدد أميركيا كان أم إسرائيليا. تخبطات سياسية لم تحلم بها حكومة المحافظين في طهران وحسابات أميركية لم تصب إلا في صالح إسرائيل تشهد عليها تطورات الأحداث في الفترة السابقة. فقد أسهمت السياسات الأميركية في المنطقة منذ البدء بشكل مباشر في صعود المحافظين إلى السلطة في طهران، وساهمت سياساتها الإقليمية بشكل غير مباشر في تعزيز مكانة طهران إقليميا. فشرقا انهارت سيطرة حركة "طالبان" المتشددة عقائديا والمنحازة مذهبيا في ثنائية الشيعة والسنة على كابول وانتهت سلطتها على أفغانستان، أما غربا فانهار نظام العدو الأول لإيران نظام صدام حسين الذي سعى إلى وأد الثورة الإيرانية وحاربها في أصعب مراحلها، في الوقت الذي تخلصت فيه من معسكرات أعداء الثورة حركة "مجاهدي خلق" المعارضة بمساعدة الولايات المتحدة بإعلانها أنها منظمة إرهابية. انهار النظام الصدامي فيما أصبحت السيطرة على العتبات المقدسة بيد الشيعة وبدا الحجاج من إيران بمسيرات دينية إلى جنوب العراق والمزارات المقدسة لم تردعهم التفجيرات ولا التهديدات وبدا أن النظام الإيراني يجني النجاحات كلما زادت المصاعب الأميركية والبريطانية. ومع كل ذلك تزايدت التقارير التي تشير إلى تصاعد النفوذ الإيراني في العراق. جنوبا ما زالت إيران بحاجة إلى طمأنة جيرانها العرب على الضفة الأخرى من الخليج، مع استمرار الاحتلال الإيراني لجزر الإمارات الثلاث "طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبوموسى" وعدم ظهور أي مؤشرات لبوادر انفراج سريع في الموقف. فدول الخليج العربية دعت في بيانها الختامي في قمة أبوظبي إلى جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية، دون الإشارة المباشرة للبرنامج النووي الإيراني. رغم ذلك لم تتمكن وزيرة الخارجية الإميركية في جولتها الأخيرة في المنطقة من حشد تأييد خليجي للضغوطات الأميركية تجاه الخيار العسكري في الملف النووي الإيراني، إلا أنها دعت في بيان صدر بعد اجتماع وزيرة الخارجية الأميركية مع وزراء خارجية التعاون في أبوظبي إلى جعل الخليج منطقة خالية من الأسلحة النووية معبرين عن قلقهم من خطر انتشار الأسلحة النووية في المنطقة، ولكن البيان الذي صدر لا يسمي إيران تحديدا.
دول الخليج لا تريد حربا جديدة في المنطقة، حربا تفوق شرورها كل الحروب السابقة، فحرب الخليج الأولى (العراقية– الإيرانية) كانت حربا من دولة عسكرية مدعومة من الغرب في مقابل دولة لم تصحُ بعد من هزة الثورة والإعدامات الثورية والانقسامات المتلاحقة في هيكل السلطة. حمى الثورة أطاحت بأعظم جيش بناه الشاه بعد أن قضت على هيكلية الجيش بالإعدامات أو الفرار. حرب الخليج الأولى استمرت بمعادلة غريبة فلم تكن حربا دينية وإن كان ملالي طهران قد حولوها طريقا للجنة، ولم تكن حرب تحرير، ومع الزخم الشعبي الإيراني الداعم لصد الهجمات العراقية كان النظام العسكري العراقي "حامي البوابة الشرقية"، كما سمى نفسه، يغذي هذه الحرب بأطروحاته القومية مقابل الطرح الديني الإيراني. حرب نراها بعد هذه السنوات حربا سريالية ببشاعتها وطول سنواتها الثماني. كانت مقدمات حرب الخل