أقر مجلس الأمة الكويتي في بداية هذا الشهر قانون المطبوعات والنشر الجديد في مداولتيه الأولى والثانية، وبموافقة أغلبية النواب وإحالة القانون للحكومة لتنفيذه يقع هذا القانون في 33 مادة، ومن أهم مواده فتح المجال لجميع المواطنين المتقدمين بطلب ترخيص لاصدار صحف يومية. وقد حدد القانون الجديد رأس مال المؤسسة أو الشركة الصحافية لاصدار الصحيفة اليومية بمبلغ 250 ألف دينار كويتي (750 ألف دولار تقريباً) وإيداع خزينة وزارة الاعلام 100 ألف دينار للصحيفة اليومية و25 ألف دينار للأسبوعية ككفالة مالية أو ضمان مالي، وأكد القانون عدم جواز الغاء الصحيفة إلا بموجب حكم نهائي من المحكمة المختصة. إضافة إلى عقوبات متشددة تجاه المساس بالذات الألهية أو الأنبياء أو آل البيت أو بأصول العقيدة الإسلامية.
مما لا شك فيه أن هذا القانون الجديد يعتبر إنجازاً حضارياً، يُسجل للكويت كونها أول دولة خليجية تسمح باصدار الصحف لكل فرد أو مؤسسة ترغب بذلك وتكسر احتكار الصحف في القانون القديم. كما أن القانون لا يجيز للسلطة التنفيذية معاقبة الصحفيين أو ملاك الصحف حيث أصبح ذلك من اختصاص القضاء. القانون الجديد تعارضه لجنة الدفاع عن الدستور والمشروعية بجمعية المحامين الكويتية حيث أكدت اللجنة "إن المشروع لا يواكب الظروف المستجدة خلال الأربعين سنة الماضية، حيث تطورت وسائل الاعلام والحريات، مشيرة إلى ما تضمنه المشروع من زيادة العقوبات المانعة للحريات، وأن هذه العقوبات قاسية وشديدة وقد تمتد لسنوات، مما سيؤدي إلى خنق حرية النقد والنشر، وأكدت اللجنة بأن القانون يخلو من الإشارة إلى حقوق الصحافيين أو واجباتهم . مدير تحرير إحدى الصحف الكويتية يعارض القانون لأنه يمنع الصحف من نشر الاتصالات الرسمية والسرية. فأي صحافة هذه؟ وتساءل: القانون يمنع كشف الصحافة لما يدور في أي اجتماع سري أو كشف أية مستندات تصلها ويقتصر النشر على البيانات الرسمية!! تخيلوا صحافة تملأ بالبيانات الرسمية. كما يمنع القانون انتقاد الدولة العربية والصديقة! واعتبر القانون بأنه مخادع فيه شكليات توحي كذباً بأنه مع التوسع في الحريات، لكنه في الواقع قانون قامع للصحافة، قاتل للحرية محبط للعالمين في هذا الحقل.
تقرير "مراسلون بلا حدود" لعام 2004، اعتبر الصحافة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأقل تمتعاً بالحرية في العالم. نواب مجلس الأمة الذين أقروا القانون يرون أن تعديله أسهل من إقراره، وبالتالي يجب أن يقر هذا القانون ومن ثم يمكن تعديله فيما بعد.
كلنا في الخليج والوطن العربي نطالب باطلاق الحريات خصوصاً حرية الصحافة لكن السؤال المطروح علينا: هل يمكن تحقيق الحرية دون وجود مجتمع حر وحركات سياسية تناضل من أجلها؟ لقد ظلت قضية الحرية فكرة مثالية لا تجد لها قوى سياسية مجتمعية فعالة في الخليج والكويت تدافع عنها وتحميها.
لو استعرضنا طبيعة الحركات السياسية والأحزاب في الكويت ودول الخليج لوجدنا أن معظم دول الخليج لا تقر بوجود الأحزاب السياسية. بل تحاربها ما عدا الكويت والبحرين اللتان تنشط الاحزاب والحركات السياسية من خلال مؤسسات المجتمع المدني فيهما. فالأحزاب السياسية الموجودة في الخليج إما أحزاب قومية عربية أو أحزاب دينية أو طائفية لا تعير أي اهتمام لقضايا الحريات. هنالك استثناء للحركات والأحزاب الليبرالية التي برزت في الخليج مؤخراً التي طرحت قضية الحريات بشكل عام والحرية الصحافية بشكل خاص. نأمل أن تنجح التجربة الكويتية مع فتح تراخيص الصحف ودخول المنافسة الحرة في هذا المجال. أما قضية الحريات الصحفية، فهي تعتمد على مدى وعي شعوب المنطقة لأهميتها.