تشهد دولتان سوفييتيتان سابقتان، هما بيلاروسيا وأوكرانيا، انتخابات الشهر الجاري في ظل أجواء من الاتهامات بالتخطيط لانقلابات وقمع الدولة والتلاعب بنتائج الانتخابات. إلا أن موسكو لا تبدو قلقة، بل مفعمة بشعور من الثقة الجديدة والهادئة تتعارض كثيراً مع الفزع الذي أبداه الكرملين إزاء ظهور "الثورات الملونة" التي اجتاحت المنطقة في السنوات الأخيرة. فمنذ عام واحد فقط كان يبدو أنه لا يمكن وقف تلك الموجة الثورية التي ابتدأت بـ"ثورة الزهور" في جورجيا عام 2003، وتواصلت بـ"الثورة البرتقالية" في أوكرانيا، وذلك عندما تمت الإطاحة بالرئيس القرغيزي عسكر أكاييف.
والواقع أن عجز الزعماء الجدد عن تنفيذ وعودهم الثورية، إضافة إلى فشل الضغط الشعبي في إحداث التغيير في دول سوفييتية سابقة، عبدا الطريق لموسكو من أجل إعادة فرض نفوذها في المنطقة. وفي هذا السياق يقول "جينادي تشوفرين"، نائب مدير "معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية" في موسكو، "لقد مثلت تلك الثورات رد الشعب على سوء الإدارة واستفحال الأوضاع، إلا أن الزعماء الجدد الذين جاؤوا إلى السلطة أظهروا أنهم غير قادرين على تحسين الأوضاع"، مضيفاً "من الممكن أن تشهد أوكرانيا حدثاً معاكساً لما وقع العام الماضي. ومما لا شك فيه أن الكرملين يرغب في رؤية الرئيس الأوكراني "فيكتور يوشينكو" ضعيفاً، وأعتقد شخصياً أن ذلك ما سيحدث".
لقد شكل التراجع الاقتصادي في أوكرانيا والإحباط السائد عاملين أساسيين دفعا حزب المعارضة الموالي لروسيا إلى مركز الصدارة في استطلاعات الرأي حول الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في السادس والعشرين من مارس الجاري. وفيما يشبه تبادلاً للأدوار، اتهم زعيم المعارضة يانوكوفيتش- الذي تمت تنحيته من السلطة بعد اتهامه بتزوير الانتخابات الرئاسية الأوكرانية في 2004- الحكومة باعتزامها تزوير الانتخابات قائلاً: "لن يستطيع الفريق البرتقالي البقاء في السلطة سوى عبر التزوير، وذلك ما يقومون به حالياً".
وحسب استطلاع للرأي أجراه الأسبوع الماضي "معهد علم النفس الاجتماعي والسياسي" في العاصمة الأوكرانية كييف، فإن حزب "يانوكوفيتش" يسجل تقدماً بمقدار 27 في المئة من التأييد، متبوعاً بكتلة رئيسة الوزراء السابقة "يوليا تيموشينكو" بـ19 في المئة، فحركة يوشينكو "بلدنا أوكرانيا" بـ17 في المئة.
والحقيقة أنه في حال أسفرت الانتخابات عن انقسام كبير في البرلمان، فمن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تفاقم الأزمة السياسية التي يمكن أن تستفيد منها موسكو. وهنا يجدر التذكير بما قامت به روسيا في يناير المنصرم حين قطعت إمدادات الغاز الطبيعي عن أوكرانيا، وهو ما كرس الأزمة الاقتصادية في البلاد في حين قوى وعزز "يانوكوفيتش" الموالي لموسكو. هذا الأخير قال لأعضاء حملته الأسبوع الماضي: "يمكننا أن نجعل من أوكرانيا بلداً قوياً وغنياً لأن الديمقراطية غير ممكنة في بلد فقير"، مضيفاً "وخلافا للقيادة الحالية، لن نبني استراتيجيتنا على حساب علاقاتنا مع روسيا".
أما في بيلاروسيا، فالعلاقات الجيدة مع الجارة روسيا ليست محل خلاف، وسيحاول الكرملين دعم ترشح الرئيس ألكسندر لوكاشينكو لولاية ثالثة شبه أكيدة في الانتخابات المقررة في التاسع عشر من مارس الجاري. غير أن الخبراء الروس، بمن فيهم أولئك الذين يؤيدون زعيم بيلاروسيا، يحجمون عن وصف عملية الانتخابات بالديمقراطية.
وينافس لوكاشينكو في هذه الانتخابات كل من ألكسندر كوزولين وألكسندر ميلينكيفيتش اللذين منعا من وسائل الإعلام وتم تفريق تجمعاتهما بالقوة. فالخميس الماضي مثلا تم توقيف كوزولين، وأعلنت بعض وسائل الإعلام تعرضه للضرب من قبل الشرطة بعد أن حاول إجراء مؤتمر صحافي بـ"قصر الجمهورية"، البرلمان، في العاصمة مينسك.
أما لوكاشينكو، الذي شغل في السابق منصب رئيس إحدى المزارع الجماعية، وحافظ على اقتصاد يخضع لمراقبة الدولة، فيتوقع أن يشير في حملته الانتخابية إلى معدلات النمو الصحية وانخفاض البطالة واستقرار مستوى المعيشة الذي يظل مع ذلك منخفضاً. ويرى ميكاييل ديلياغين، مدير "معهد العولمة" في موسكو، "بالرغم مما يعاب على لوكاشينكو من نقص في الديمقراطية، فإنه يحظى بتأييد شعبه ويتبع سياسات رشيدة"، وأضاف قائلاً "قد يجسد لوكاشينكو الشر في أعين الغرب، إلا أن الشعب ينظر إليه باعتباره قائده الشرعي".
ولكن للبعض في روسيا البيضاء أفكاراً أخرى على ما يبدو، فقبل بضعة أيام اتهم رئيس الاستخبارات في بلاده جماعة معارضة قال إنها تتلقى الدعم المالي من الخارج بالتخطيط لتنفيذ انقلاب يوم الانتخابات. إلا أن زعماء المعارضة أنكروا هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً، ودعا ميلينكيفيتش إلى تنظيم مظاهرات احتجاجية سلمية في حال حدوث تزوير للانتخابات. إلا أن الحكومة أصدرت الأسبوع الماضي مرسوماً يحظر تنظيم المظاهرات يوم الانتخابات. وأمام حالة الفوضى هذه حذر نائب وزيرة الخارجية الأميركية "ديفيد كريمار" قادة روسيا البيضاء من "عواقب" أحداث من قبيل توقيف كو