عقد في الأسبوع الماضي لقاء ضم حوالي أربع عشرة كلية للعلوم الإدارية والاقتصاد والتجارة، تنتمي إلى الجامعات الحكومية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وكان هذا اللقاء هو اللقاء التاسع بين عمداء هذه الكليات، حيث تعقد هذه اللقاءات كل عامين وتحتضنها إحدى جامعات دول المجلس. وقد احتضنت كلية الاقتصاد والتجارة بجامعة السلطان قابوس بمسقط هذا الملتقى، حيث تباحث العمداء على مدى يومين كاملين في مواضيع تعليمية وأكاديمية وطلابية تهم هذه الكليات. وقد عرضت هذه الكليات تجاربها سواء في إعادة هيكلة الأقسام أو الكليات التي تنتمي إليها، أو في مجال ضبط الجودة بها، وقدمت عدة أوراق تخص هذه المواضيع. كما نوقشت مواضيع أخرى ذات صلة بالاعتماد الأكاديمي الدولي لهذه الكليات، حيث ترتبط معظمها بمنظمات دولية لها معايير جودة نوعية محددة، سواء في المناهج الدراسية، أو في تطوير المقررات، أو في تطوير مهارات أعضاء هيئة التدريس المنتمين إلى هذه الكليات، عبر دورات تعرّف هؤلاء الأساتذة بوسائل تقنية جديدة تزيد من قدرات الفهم والإحاطة بالمواد المدروسة من قبل هؤلاء الشباب الذين يدرسون في هذه الكليات.
وكانت هناك مناقشات مطوّلة حول تأهيل الخريجين للانخراط في سوق العمل، فلاشك أن الجامعات تعدُّ البوتقة الأولى التي يتلقى فيها الطلاب الأسس الموضوعية في مجالات تخصصهم، بشكل نظري وبشكل تطبيقي محدود. كما تحاول هذه الكليات أن يحصل الطلاب على المهارات المطلوبة في سوق العمل من ناحية إجادة اللغة الإنجليزية والحاسب الآلي واللغة العربية وأدوات التواصل الأخرى، التي تضمن أن يكون الخريج قادراً على التفاعل الأتم بينه وبين رئيسه وزملائه، وكذلك مع البيئة التي يعمل فيها، ويتواصل معها.
من ناحية ثانية فإن الجامعات ليست معاهد تدريبية، وينبغي على المؤسسات والشركات أن تباشر عملية التدريب بهمة عالية، لأن الخريج يخدم في مهام محددّة تختلف باختلاف الشركة أو المؤسسة التي توظف خدماته، وكذلك فإن الجامعات ينبغي ألا يقتصر عملها على تخريج الكتبة والبيروقراطيين. فالجامعات تخرج القادة الذين يستطيعون أن يلعبوا دوراً مميزاً في مجتمعاتهم، كما أن البيئة الجامعية يجب أن تكون وسيلة من وسائل التغيير في المجتمعات، وهي التي تقود حركة التنوير في معظم هذه المجتمعات. فعبر النشاط الثقافي لكليات الجامعة المختلفة، يمكن أن تبرز آراء ومضامين فكرية تقود المجتمع بشكل كبير إلى المستقبل. فالمشاعل التي تضيء المجتمعات غالباً ما تضيء بداية في بيئة جامعية متسامحة، قادرة على التفاعل معها، وعرض أفكار متعددة وربما متجاذبة أمام مجتمعاتها.
وكان هناك نقاش كبير حول دور اللغة المستخدمة في هذه الكليات، فمعظم كليات العلوم الإدارية في منطقة الخليج تميل إلى استخدام اللغة الإنجليزية كأداة رئيسية في التعليم والتدريس. وربما استخدمت في بعض هذه الكليات هذه اللغة في برامج الدراسات العليا، إذا كانت تستخدم اللغة العربية في الدراسات الجامعية.
ويثير استخدام اللغات الأجنبية تساؤلات كثيرة، فهي من ناحية تجعل الخريجين أكثر قدرة على الانخراط في صفوف العمل مع العمال والموظفين الأجانب الآخرين في هذه الشركات، كما تجعل الخريج قادراً على التنافس مع زملائه من الخريجين في بيئات وظيفية خارج بلاده. فالعولمة أصبحت سمة رئيسية من سمات العصر، سواء في الإنتاج أو في تسويق القدرات البشرية وإدارتها. ولاشك أن الأسواق الخليجية هي في المقام الأول أسواق جاذبة للموارد البشرية، ولكن بدخول معظم دول مجلس التعاون في منظمة التجارة العالمية، وتوقيعها اتفاقيات تبادل تجاري حرّ مع بعض الدول، بات على الشركات الخليجية أن تصبح فاعلة على المستوى العالمي، وأن تكون قادرة على تسويق منتجاتها في مختلف الأسواق الدولية. ويتوجب على موظفيها من المواطنين وغيرهم أن يكونوا قادرين على التفاعل مع بيئات وثقافات مختلفة خارج حدودهم.
ولعل العنصر الرئيس الذي نغفل في بعض الأحيان الاهتمام به، هو عدم تمكننا حتى الآن من غرس عنصر المبادرة والإبداع في نفوس وأفئدة طلابنا. فالطالب وللأسف على الأقل في الدراسات الجامعية الأولى، يعتمد على التلقين، ولا يعتمد على التعليم الذاتي، وحين يحاول الأستاذ أن يوجه طلابه إلى التعامل مع مشاكل جديدة بشكل عملي، وتطبيق بعض المعطيات النظرية التي درسها على مشاكل وحالات إدارية معينة، فإنه يواجه برفض معظم الطلاب الذين يدرسهم لمثل هذا المنهج. فهم قد اعتمدوا -خاصة في الامتحانات- على قوالب ثابتة، وعلى استظهار للمواد المدروسة، دون أن يكونوا قادرين على ربط هذه المواد بالمجتمع محل الدراسة، أو بالمشاكل التي سيقابلونها في حياتهم العملية.
وناقش المجتمعون أهمية دراسة الطلاب بشكل معمق للغة العربية مع دراستهم باللغة الإنجليزية، فبعض المواد القانونية والاجتماعية بحاجة ماسة إلى كتب عربية. فمثلاً مادة القانون التجاري المحلي لا يمكن دراستها إلا باللغة العربية، وكذلك الحال مع مواد الزكاة والضر