لن أكتب عن مرض الطيور الذي يؤرق العالم اليوم، لكن موضوع هذا الأسبوع هو من المواضيع التربوية التي تهدف إلى النظر للتعليم من زاوية جديدة علها تقودنا إلى جيل بناء.
عندما يتحدث الناس عن الببغاء في منطقتنا على الأقل، فنحن نشير إلى نوع من الطيور سريعة تعلم الكلام فذكاؤها حسب علمنا يمكنها من تكرار الكلمة التي تتعلمها وبسرعة، ثم تستمر في تكرار ما تعلمته، لكنها وسيلة جيدة للترحيب بالناس إذا كان في مدخل المنزل طائر يقول "مرحبا" أو "السلام عليكم"، مشكلة هذه الطيور أنها محبوسة دائما كي تتعلم، فلو أطلق سراحها لحلقت في السماء وتعلمت أشياء كثيرة.
مع فارق التشبيه، فإن التربية العربية تدرب الناس على نفس هذه العقلية التي لا تزيد عن تكرار ما سمعته وبحرفية جيدة، تبدأ هذه التربية من أسر لا تسمح للأطفال بمجرد التفكير بل دورهم يكمن في تكرار ما يلقنوا من أوامر، حتى في أدق حاجاتهم الشخصية كالملابس، فهم يلبسون ما يشترى لهم على ذوق الكبار، ويأكلون ما يطبخ لهم، ويرضون الكبار بقول ما يسرهم.
فور خروج هذا الطفل من المنزل إلى المدرسة، فهو يسجن في بيئة طاردة أسوأ من عش الببغاء التي تحدثنا عنها، خلال فترة السجن هذه يلقن الطفل عددا من الكلمات في هيئة دروس، إذا أراد النجاح عليه التميز في تكرار ما لُقن، فالتلميذ المتميز هو من يثبت لمعلمه أنه نسخة دقيقة منه، فيأخذ المعلم هنا دور الأب في المنزل.
وتستمر هذه التربية في العمل حيث يُلقن من أول يوم أن دوره في العمل إن أراد التميز أن ينفذ ما يطلب منه دون تردد أو لحظة تأمل أو تفكير، لأن الفكر في هذه الحالة يقوده إلى أن يصنف ضمن المعارضة في تلك المؤسسة. ولو تم إلحاقك في لجنة ما وحاولت أن يكون لك رأي فيما يتخذ من قرارات مصيرية، فإنك عضو غير مرغوب فيه، لأنك لم تلعب الدور المطلوب من أعضاء كثير من اللجان، ألا وهو دور من يسمع ويطيع دونما تردد، وإنْ كنت مخلصاً لهذه اللجنة ردد خارجها كلاماً أنت غير مقتنع به كي تضمن إعادة تعيينك في هذه اللجنة.
ولو التزم هذا الإنسان بحزب سياسي أو جماعة دينية، وإْن أراد التميز في هذا الحزب، فعليه أن يكون كالميت بين يدي مُغسله، كما يُقال عند البعض، فمن سوء الأدب أن تكون لك وجهة نظر خاصة في الكثير من القضايا التي تسمى بالثوابت، وهي في حقيقتها متغيرات. ولو تبين أن لك رأياً قد يبدو عليه أنه مغاير لرأي رئيس الحزب أو إمام الجماعة، فأنت عضو قد شققت عصا الطاعة وغلبت رأيك الشخصي على رأي من هم أعلم منك.
هذا النوع من التربية هو ما نعيش مشاكله وهمومه اليوم في العالم العربي بشكل عام مع وجود بعض الاستثناء هنا أو هناك، ومرد هذه المشاكل في طريقة تربيتنا لذواتنا وللناس من حولنا، والمتأمل اليوم في عالم السياسة يجد صدق ما أقول؛ ففي كثير من الفرص الانتخابية، يتم انتخاب غير المناسب، لأنه قيل للمصوت هذا هو المطلوب، وفي عالم الإشاعات تجد الإنسان يعيد إرسال العديد من الرسائل التي وصلته دونما فحص لمصدر هذه الرسالة ومدى صدقها، بل إن البعض يضفي على عالم الإشاعات نكهته الخاصة كي يصدقه الناس، فيقسم على هذا الأمر، وهو لا يدري أنه من الأساس باطل وملفق. فمتى نتخلص من هذا النوع من التربية كي نبني جيلاً مبدعاً لا مقلداً، جاداً في أهدافه، ذا أحلام رائعة، يبني ولا يهدم، يقول للكلمة قفي حتى أتأكد منك، وأهم من ذلك يقدم مصلحة الوطن على مصالحه.