بالنظر إلى الآمال التي تحدو المسؤولين عن الصناعة النووية في انتعاش الإقبال على الطاقة النووية، يمكن اعتبار صفقة بيع القسم النووي التابع لشركة "ويستينغهاوس" الشهر الماضي إلى شركة "توشيبا" حدثاً تاريخياً مهماً، ليس بالضرورة بسبب بوادر استرجاع هذه الصناعة لعافيتها، ذلك أن "توشيبا" فاجأت العديد من المراقبين بالفعل حين وافقت على دفع مبلغ 5.4 مليار دولار مقابل مجموعة من مرافق إنتاج الطاقة النووية.
وتأتي هذه الخطوة لتضاف إلى الحديث الدائر حالياً حول استئناف إنشاء المفاعلات النووية، غير أن عدداً من المحللين يرون أن الأمر لم يتجاوز بعد مرحلة الحديث. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، خلال الآونة الأخيرة، أشار وزير الطاقة "صامويل بودمان" مؤخراً إلى أن أكثر من اثني عشر مفاعلاً نووياً جديداً تجري دراستها، غير أنه لم يتم اتخاذ أي قرار بعد بشأن إنشاء أي واحد منها. كما أن الخبراء لا يتوقعون الشروع فيها قبل نهاية 2007، على أقل تقدير. وتعليقا على الصفقة موضوع الحديث، قال "مايكل موريس"، رئيس "أميركان إليكتريك باور"، وهي أكبر شركة لإنتاج الطاقة في الولايات المتحدة، "أعتقد أننا فوجئنا جميعا بالسعر"، هذا علما بأن "موريس"، الذي تخدم شركته 5 ملايين زبون في إحدى عشرة ولاية، يفضل اعتماد المزيد من الطاقة النووية.
من جهة أخرى، أعلنت الصين نيتها مضاعفة إنتاجها من الطاقة النووية بأربع مرات خلال السنوات العشرين المقبلة، كما أعلنت في نفس الوقت رغبتها في تطوير مفاعلها النووي. هذا ويعكف الساسة في إيطاليا وبريطانيا وبولندا على بحث مزايا إنشاء مصانع نووية جديدة. غير أن المصنع النووي الوحيد الذي يوجد قيد الإنشاء حالياً في أوروبا هو مفاعل فلندي شكل موضوع نقاش لما ينيف عن اثنتي عشرة سنة قبل أن يتقرر أخيراً الشروع في أشغال بنائه العام الماضي.
والواقع أن أجواء التفاؤل السائدة إزاء إنشاء المفاعلات النووية تقوم على أساس فكرة استمرار تيارين اثنين، يتمثلان في زيادة سعر النفط، وزيادة إجراءات المراقبة التي تفرضها الحكومة بخصوص انبعاث غازات الكربون. صحيح أن إنشاء مصانع الطاقة النووية أغلى من حيث التكلفة مقارنة مع مصانع الغاز أو الفحم، وصحيح أيضا أنها تستغرق فترة أطول لإنشائها، إلا أنه بمجرد الانتهاء من بنائها فإنها تنتج الطاقة بشكل متواصل وتكلفة رخيصة، إضافة إلى أنها لا تتسبب في كميات كبيرة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
إلا أن منتقدي الطاقة النووية في بعض الدول الأوروبية، حيث توجد قوانين تهدف إلى الحد من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون خلافاً للولايات المتحدة، بدأوا يتساءلون حول ما إن كان إنشاء مفاعلات جديدة يمثل فعلاً طريقة غير مكلفة للحد من هذه الغازات. وفي هذا الإطار يرى "نورمان بيكار"، المتخصص في الشؤون البيئية في حزب "الديمقراطيين الأحرار" في بريطانيا، أن إنتاج المزيد من الطاقة النووية "ليس أمرا معقولاً من وجهة نظر اقتصادية وبيئية"، وأن إنفاق جنيه إسترليني واحد على تحسين فعالية الطاقة ينتج عنه انخفاض انبعاث ثاني أكسيد الكربون بسبع مرات مقارنة مع إنفاق نفس المبلغ على إنشاء مفاعل نووي جديد، مضيفا "إذا كان المرء قلقا بالفعل إزاء تغير المناخ، فعليه أن يطالب بفحم نظيف واعتماد مصادر متجددة للطاقة".
لقد شهدت أسواق الطاقة تغيرات كبيرة في أوروبا منذ السبعينيات، وهي الفترة التي شهدت إنشاء أكبر عدد من المصانع النووية. كما شهدت العديد من شركات الطاقة الأوروبية عملية الخصخصة، وعرفت سوق الطاقة انفتاحا في وجه المنافسة في العديد من الدول. ونتيجة لذلك، فإن إنشاء أي مفاعل جديد لا يمكن أن يتم إلا إذا حصل على التمويل من قبل إحدى الشركات الخاصة التي عليها أن تتحقق من أن المشروع مربح في المستقبل، وهو ما يدفع عدداً من المحللين المتخصصين إلى القول إن الأمر ليس بالرهان المضمون.
وحسب تقرير أصدرته حديثا وكالة "ستاندارد آند بوورز" ، "فإنه من السابق لأوانه الحديث عن نهضة نووية" في أوروبا. وفي هذا الإطار يقول بيتار كورنان، المحلل بالوكالة وأحد معدي التقرير، إن بيئة السوق اليوم "هي أخطر مما كانت عليه عندما تم إنشاء المفاعلات النووية الأولى"، مضيفا "على الشركات أن تقتنع أولا بجدوى المشروع وصحته" قبل الشروع في رصد رأسمال له. إلا أنه، يضيف كورنان، لا يوجد حتى الآن دليل يفيد بذلك. ومن جهة أخرى، دافع مارك هيرلاك، المحامي الذي مثل "بريتيش نيوكليير فيولز" في الصفقة، عن سعر البيع معتبرا أنه معقول بالنظر لارتفاع تكلفة الأنواع الأخرى من الوقود والقلق المتزايد إزاء الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
وتجدر الإشارة إلى أن "اللجنة النووية المنظمة" أبدت مؤخراً موافقتها على تصميم نموذج جديد من "ويستينغهاوس" يدعى "إي بي 1000"، الذي يعد مفاعلاً متقدما. وفي هذا السياق يقول هيرلاك إن "توشيبا" حصلت في هذه الصفقة على تكنولوجيا رائدة تتمثل في "إي بي 1000". أما الصين التي تعد أكبر سوق نامية في العال