عندما يقول رجل أعمال من تكساس يعمل في قطاع النفط مثل جورج بوش إن إدماننا على النفط أصبح مشكلة، وإنه علينا أن نفعل شيئا حياله، فذلك يعني أنه آن الأوان لفعل ذلك. ولكن وللأسف، رغم أن تركيز الرئيس قبل أكثر من شهر، على هذه المشكلة في خطابه حول "حالة الاتحاد" كان مهماً ومفيداً، فإن اقتراحاته حول ما يجب عمله لن تكفي لحل الأزمة.
تتمثل المشكلة في أن النفط معرض للنفاد، فالخبراء لا يتساءلون حول ما إذا كان ذلك سيحدث، وإنما هم منقسمون حول متى سيحدث. ربما ينفد أواخر هذا القرن، وربما أوائل القرن المقبل. لكن الأكيد أنه يمكن إرجاء حدوث ذلك، ربما عبر التنقيب في أماكن تعتبر حالياً غير مجدية من الناحية الاقتصادية، أو من الصعب استغلالها لأسباب تتعلق بالبيئة. كما قد يساهم رصيد النفط الصخري، الذي يستخرج بعد إخضاع الصخور لعمليات معالجة، قليلاً في حل المشكلة، وإن كانت عملية المعالجة مكلفة جداً، ما سيحدو بالبشر في الأخير إلى إدارة عالمهم باستعمال مصادر طاقة بديلة.
الأكيد أن ترشيد استهلاك النفط سيمكن من الحفاظ على الذهب الأسود، ولكن الصين والهند غدتا تستهلكان كميات متزايدة من النفط نظراً للنمو الكبير الذي تشهده اقتصاداتهما وبوتيرة مرتفعة. أما الولايات المتحدة، التي تعد أكبر مستهلك للنفط في العالم، فتمتلك نحو 3 في المئة من احتياطي النفط في العالم، وتستهلك نحو 25 في المئة من الإنتاج العالمي. وقد دفع الارتفاع الأخير في أسعار النفط -في حدود 60 دولارا للبرميل- بعض الأميركيين إلى التقليل من استعمال سياراتهم الضخمة، وبحث إمكانية اقتناء سيارات اقتصادية من حيث استهلاك الوقود، ولكن الأمر يشبه قطرة صغيرة في بحر كبير من الاستهلاك. ورغم كثرة الحديث مؤخراً عن ضرورة تحقيق الولايات المتحدة للاكتفاء الذاتي من النفط، فإن الأمر غير واقعي ولا يمكن تحقيقه، إذ طالما أن الأميركيين يستهلكون بنفس الحجم كما يفعلون الآن، فسيكونون دائماً في حاجة إلى النفط المستورد من مختلف مناطق العالم، مثل الشرق الأوسط الذي يفتقر إلى الاستقرار.
لقد أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش عن "مبادرة الطاقة المتقدمة" التي من بين أهدافها الرئيسية تغيير طريقة استعمال الأميركيين للطاقة في منازلهم ومكاتبهم، وهو ما يعني تطوير التكنولوجيا التي تستفيد من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وكذا تطوير الطاقة النووية الآمنة. أما الهدف الآخر فيتمثل في تغيير الطريقة التي يزود بها الأميركيون سياراتهم بالطاقة، وهو ما يعني إنتاج المزيد من السيارات المهجنة الاقتصادية من حيث استهلاك الوقود، والسيارات الكهربائية والهيدروجينية. كما يعني في الوقت ذاته ضرورة بحث إمكانية استخراج الإيثانول ليس من الذرة فقط، ولكن أيضاً من رقائق الخشب وسيقان العشب وغيرها.
بيد أن المشكلة تتمثل في أن رؤساء أميركيين قبل الرئيس بوش كانوا يطمحون إلى أن تحقق الولايات المتحدة الاكتفاء الذاتي فيما يخص الطاقة، ولكنهم لم يحرزوا تقدماً كبيراً. ولعل إحدى أهم وأنجع الأفكار لخفض كميات النفط الهائلة التي تستهلكها الولايات المتحدة بشكل ملموس في المتناول ويمكن تنفيذها، بيد أنه لن يتم تجريبها. تتمثل هذه الفكرة في فرض ضرائب على استهلاك الغازولين عبر زيادة دولار أو اثنين أو ثلاثة على سعر الغالون الواحد من الوقود بحيث يصل إلى مستوى السعر الذي يباع به في بعض الدول الأوروبية. والأكيد أن ذلك لن يؤدي إلى خفض الاستهلاك بشكل كبير فحسب، وإنما سيؤدي أيضاً إلى توفير مصدر مالي لتمويل البحوث في مجال الطاقات البديلة.
بيد أن خطوة من هذا القبيل تعتبر انتحاراً سياسياً لمن يؤيدها، وخصوصاً على خلفية موجة الغضب العام الأخيرة إزاء وصول سعر الغالون في المحطات إلى 3 دولارات بسبب ارتفاع الأسعار في أسواق النفط. ولذلك فجورج بوش مثله في ذلك مثل الرؤساء الذين سبقوه يبحث عن الحلول التي لن تؤذي، أو لن تؤذي كثيراً، المستهلكين الناخبين. وبالتالي فالجواب قد يكمن في ابتكار تكنولوجيا متقدمة في كل من نوع السيارات والوقود الذي يستعمله الأميركيون. وهو أمر يتطلب بلورة برنامج يتميز بالرؤية الواضحة ونفاذ البصيرة مثل "مشروع منهاتن"، الذي ابتكر لتطوير القنبلة الذرية، أو "مشروع أبولو" الذي وضع لغزو الفضاء، إلا أن إدارة بوش لم يصدر عنها ما يبعث على الأمل في الحصول على تمويل لمثل هذه المشاريع.
وكما يشير خبير السياسة الخارجية "مايكل ماندلباوم" في كتابه الأخير، فقد تم وضع "مشروع مانهاتن" وغيره من المشاريع خارج الاقتصاد التجاري، حيث يرى أن أي نظام طاقة جديد في الولايات المتحدة يجب أن يكون مندمجاً داخل هذا الاقتصاد، مضيفاً أنه "يجب أن تكون التكنولوجيات الطاقية الجديدة الرامية إلى تعويض التكنولوجيات الحالية مربحة، تماماً كما هو الحال بالنسبة لاستخراج النفط وتصفيته وبيعه".
تمثل المعضلة الطاقية في الولايات المتحدة تحدياً حقيقياً –وفرصة– للنبوغ والابتكار الأميركي، حيث يسعى حالياً عدد من الرأسمالي