لقد فازت الولايات المتحدة الأميركية بحرب الخليج الأولى, مستخدمة فيها قوات جيش الحرب الباردة, التي أرسلها الرئيس الأسبق رونالد ريجان إلى تلك المهمة. أما حرب الخليج الثانية, فقد كسبها خلفه الرئيس بيل كلينتون عن طريق توظيفه لتكنولوجيا الحرب المتقدمة. وبذلك نصل إلى حرب الخليج الثالثة التي يرى الدكتور مايكل نايتس، مؤلف هذا الكتاب, أنها حرب سيحدد ميادينها وتكتيكاتها الحربية كل من أسامة بن لادن وقوات المقاومة المتصاعدة النشاط والتأثير على مسار الحرب الجارية حالياً في العراق. وفي ذلك التعليق القصير, إشارة من قبل الكاتب إلى أن الولايات المتحدة مقدمة الآن على تدشين مرحلة جديدة من الحروب والعمل العسكري, القائمين على خوض الحروب الصغيرة, ذات الصلة بمكافحة التمرد وبمعارك بناء الأمم, على غرار ما يجري في كل من العراق وأفغانستان.
ومن رأي المؤلف أن أبرز وأهم ما أسفرت عنه مراجعة الأداء العسكري خلال الخمس عشرة سنة الماضية من الاشتباك المسلح بين واشنطن وبغداد, هو إدخال تغييرات جذرية وشاملة لمجمل الاستراتيجية والفكر الحربي الأميركيين, وفق ما حددته وثيقة الأمن القومي التي تقدم بها الرئيس جورج بوش عام 2002. وتنص الوثيقة المذكورة, على ضرورة استعداد أميركا لتوجيه ضربات استباقية احترازية لما أسماه بالدول المارقة والجماعات الإرهابية, في عصر أصبحت سمته الرئيسية المميزة, هي كونه عصراً لأسلحة الدمار الشامل. ومما أورده المؤلف في تقييمه لمسار الحرب الأميركية في العراق على امتداد الخمس عشرة سنة الماضية, أن حرب الخليج الأولى التي خاضتها الولايات المتحدة ضد جيش عراقي قوامه مليون من الجنود –وكانوا لا يزالون على بأسهم وشدتهم القتالية على رغم مواجهتهم الطويلة الأمد لعدوهم الإيراني- لم تسفر سوى عن مصرع 184 جندياً فحسب في الجانب الأميركي. ويقارن ذلك العدد المحدود جداً من القتلى الأميركيين, بمصرع ما يزيد على ألفي جندي في المواجهات العسكرية اليومية مع القوات المناوئة للوجود الأميركي في عراق ما بعد صدام. وللمزيد من الدقة, فإن هذا العدد الكبير من القتلى الأميركيين, إنما هو حصاد الثلاثين شهراً الماضية فحسب, من مسار الاحتلال الحالي للعراق.
وفي تقدير المؤلف فإن ما يجري في عراق ما بعد صدام, سيحدد نوع التحديات الحربية التي سيواجهها الجيش الأميركي مستقبلاً, لاسيما حين تسعى دول وجماعات مناوئة أخرى لتوظيف هذه التجربة في معاركها الخاصة ضد أميركا, تماماً على نحو ما فعل صدام حسين, بتوزيعه لنسخ مترجمة إلى العربية من كتاب "سقوط النسر الأسود" على ضباطه وقادته العسكريين, قبل أسابيع معدودة من الغزو الأميركي الأخير الذي أطاح به في عام 2003.
ويذكر أن كتاب "سقوط النسر الأسود" تناول تفاصيل المأزق العسكري الذي زجت فيه القوات الأميركية بنفسها خلال حرب الصومال عام 1993.
إلى ذلك يخلص المؤلف إلى استنتاج جوهري, يرى فيه أن المقاومة المسلحة للقوة العظمى الوحيدة –في عالم الأحادية القطبية الذي تسيطر عليه أميركا اليوم- يجب ألا ينظر إليها على أنها ظاهرة تخص بلداً أو شعباً بعينه –كما هو الحال في العراق مثلاً- وإنما يجب النظر إليها باعتبارها ظاهرة عالمية, قابلة للتطبيق والاستنساخ والتكرار في عدة دول أخرى, ربما تشتبك معها أميركا عسكرياً في لحظة ما.
وفيما لو أصرت واشنطن على مواصلة نهج الحروب والضربات الاستباقية الذي تبنته إدارة بوش الحالية, بما فيه بالطبع, استراتيجية تغيير الأنظمة وتوجيه ضربات استباقية لكل ما ترى فيه خطراً يهدد أمنها القومي, فإن عليها أن تدرك أن عيون خصومها قد ظلت مفتوحة دوماً على مراقبة ودراسة تلك الاستراتيجيات, ومن ثم العمل المستمر على ابتكار الاستراتيجيات الدفاعية المضادة لها, وتطوير التكتيكات الملائمة لمواجهة جيش القوة العظمى الوحيدة.
لذلك فإن من رأي نايتس أنه وإذا أرادت الولايات المتحدة أن تحافظ على تفوقها العسكري وتستعد للاشتباكات والأدوار العالمية التي تنتظرها, فهي بحاجة ملحة الآن لأن تكون أكثر من مجرد دولة ذات تكنولوجيا عسكرية متقدمة فحسب, خاصة وهي تتطلع للعب هذا الدور خلال القرن الحادي والعشرين. ويصف المؤلف قرننا هذا بالاضطراب والاحتشاد بالنزاعات على مختلف الأصعدة والمستويات, التي تتطلب جميعها وبدرجات متفاوتة, حضوراً أميركياً لا غنى عنه. وفي سبيل التأهب لهذا الدور الجديد, فإنه لابد لأميركا من تحقيق تفوق استخباراتي حاسم على غيرها من الدول, كي يتناسب ومستوى تفوقها العسكري, علاوة على سعيها المستديم للحصول على الدعم الدولي لعملياتها ومهامها العسكرية الخارجية, مصحوباً بوضوح الرؤية وتحديد الأهداف العسكرية القابلة للتحقق والتنفيذ.
ويلقي المؤلف نظرة شاملة على الحرب العراقية في مجملها, بما فيها فترة العمل الدبلوماسي التي امتدت لإحدى عشرة سنة, وفرض الحظر على الطيران في المنطقة الفاصلة بين العراق وإقليم كردستان, ما بين الحربين الكبيرتين اللتين شهدهما عراق صدام حس